مهندس … باسل كويفي
نتصف الكائنات الحية بخصال عديدة ومتباينة، تتراوح وتتباين فيها بين الشراسة والقسوة والجمال والحقد والعطاء
من ذات الاطار تتفاعل النفس البشرية بصفات أعظم مهنا الكرم والنزاهة والطموح والأخلاق إضافة إلى الغباء أو التغابي وغرابة الأطوار ، إننا من حيث الواقع خليط معقد من الخير والشر ، تواكبها معجزات التطور والتغيير ، تلك هي الطبائع البشرية والانسانية واختلافها من فرد لآخر وتأثير البيئة الحاضنة بالنفسية الداخلية للفرد ،
أما على مستوى العلاقة بين علم النفس وعلم السياسة فتتفرع إلى نظريات سياسية وعلاقات دولية ونظم سياسية وسياسيات عامة وخارجية وتنظيمات وقوانين دولية وغيرها ، تؤكد أن الفاعل الأساسي في كل هذه التخصصات هو “الإنسان“، مصدر التفاعلات المختلفة بين السلام والحرب بين التعاون أو التنافر …مما يدفعنا للبحث حول الصراعات القائمة بين الافراد والشعوب والدول ومرجعيتها الدينية او القومية او الايديولوجية او الاستعمارية او العدوانية …
إن الاحساس بالدونية داخل العمق النفسي للانسان في بلاد المشرق تجاه العقلية والحضارة الغربية الآخذة بالارتباك والضعف على ما يبدو في هذه الحقبة ( بعيداً عن الدين والمعتقد ، نتيجة الاستعمار ) ، هو احد المعوقات لتطور الوعي العام وبالتالي تباطؤ انتاج وخلق المشروع الحضارى الخاص بها ، مما يدفعنا الى التركيز الرئيس لتطوير الفكر والعقل نحو نهج جذري “لإزالة الصورة النفسية الاستعمارية المتحكمة فى هذا الفكر” وبناء مفهوم خاص للعدالة الاجتماعية وبناء المجتمع مبنى على الاساس الشرقى الغني بالبعد الروحي والثقافات والحضارات الانسانية الممتدة جذورها لآلاف السنين .
إننا جميعاً كمفكرين ومثقفين شرقيين نحمل اصول الجذور الروحية الشرقية التى تمكننا من المشاركة في بناء بديل متوازن متطور قائم على الذات مع الاستفادة من ايجابيات الفكر الغربي وثقافته التي تتلاءم وتتواءم مع متطلبات مجتماعتنا النهضوية في مشاريع اصلاحية تنموية مستدامة جذورها في أرضنا وآفاقها عنان السماء وبناؤها تشيده المصالح المشتركة والتعاون الواعي المتكامل ، ( دون التقليل من شأن الثقافة الغربية بخصوص ملفات الديموقراطية وحقوق الانسان وسيادة القانون …) .
علم النفس السياسي هو مجال أكاديمي متعدد الاختصاصات، يقوم على فهم السياسة والسياسيين والسلوك السياسي من منظور نفسي. وتعتبر العلاقة بين السياسة وعلم النفس ثنائية الاتجاه؛ فيستخدم العلماء علم النفس كمرآة لفهم السياسة، وكذلك السياسة مرآة لعلم النفس.
وبالتالي نعتقد أن الطبيعة والبنية السيكولوجية للقادة السياسيين و الساسة ورجال الدين هي التي تدفع الى حد ما للحروب وانهيار الأمم ( هتلر أو موسوليني أو فرانكو.. ) وبعد صعود اليمين المتطرف وظهور نظرية “الدومينو أو ظاهرة انتشار العدوى” مما يسمح بقيام واستمرار الحروب الدامية ، بدلاً من الاستقرار والامن والسلام ، في ظل تطور ظواهر العنف والتطرف والقتل والتخلف والفقر والفساد بين الشعوب بل بين أبناء الشعب الواحد ، الحقيقة الواقعية بمجال علم النفس السياسي تتطلب تفسير أسباب الظواهر المختلفة الراهنة فى المجتمع سواء على الصعيد المحلي أو الاقليمي أو الوضع العالمي أجمع ، وربط العلاقة الوثيقة بين النفس البشرية وبين السياسة والساسة والقادة والشعوب والظواهر السياسية المختلفة .
وعند مناقشة تلك التفاصيل مع النخب الثقافية والأكاديمية والشخصيات الوطنية ،فأنهم يؤكدون على الطبيعة الإيجابية والتعاونية للعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية بين أفراد المجتمع من جهة وبين المجتمع والسلطة الحاكمة من جهة اخرى وبين سلطات الدول المتجاورة من طرف آخر وبين الديبلوماسية الناعمة بين الدول عامة التي تحقق مصالح مشتركة تهدف الى بناء السلام المستدام وتعزيز الأطر الانسانية بين شعوب العالم .
إن السلوك السياسى هو عملية إدارة تهدف إلى تخفيف التوتر الاجتماعي وحل جماعي للمشكلات والصراعات والاستفادة من مساحات الإتفاق لاتخاذ قرار جماعى وخلق حالة من التعاون على الرغم من التباين الموجود ، للدفع نحو منهج يشعر معها الجميع بتوازن دينامى واستفادة جماعية ( عقد اجتماعي حديث ) . ” كونفوشيوس – ارسطو – ديكارت – روسو ” .
نحن نعرف أن العنصرية البنيوية تُضعف المجتمعات وتجعل الدول أقل ازدهاراً واستقراراً وإنصافاً وتُقوض السلام والديمقراطية وسيادة القانون وتضر الجميع ،مما يحتم علينا مناهضة أنظمة الظلم العنصري المنتشرة في مختلف أنحاء العالم .
لقد ظلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة -وما زالت- تتصرف كأنها بعيدة عن أي مساءلات ومحاسبات قانونية دولية، وبعنجهية وصلف متراكم بدأت تظهر ملامحه من الشرخ الذي يتشكل الآن في المجتمع الإسرائيلي ، فهو ليس مجرد احتجاج ضد نتنياهو واليمين المتطرف ، وسياساتهم العنصرية وثقافتهم العدوانية ، بل هو مشهد بصري ظاهر وخلفه، ثمة استقطاب وخلاف سياسي واجتماعي واقتصادي وأمني وعسكري مرير تشهده أنظمتهم ، ممتد منذ تأسيس الكيان الصهيوني وحتى الآن ، أساسه الصراع على الهوية القومية والدينية والعنصرية والشرقيين والغربيين .. والاستيطان والتوسع والعنجهية والغطرسة العسكرية ،
وصولاً الى تسييس النظام القضائي وتعديله كجزء من المسار السياسي وتقلباته .
يشهد العالم في الوقت الحالي ، انعطافة حادة في السياسات والتوازنات الاقليمية والدولية ازدادت وضوحاً بعد الحرب في اوكرانيا ، عملت و ساهمت في التغييرات السريعة التي تحدد دور ومواقع وأحجام الدول لدى المدركين للعبة الامم ، ( القمة الروسية الصينية في موسكو ، الاتفاق السعودي – الايراني في بكين ، تخفيض طوعي لانتاج النفط بتوافق سعودي – روسي لمواجهة شبح الركود..)
وكانت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا قد اشادت بايجابية لطلبات الانضمام الى مجموعة البريكس من السعودية والإمارات ومصر ،
من جهتها أوضحت مونيكا كرولي ، مساعدة وزيرة الخارجية السابقة للشؤون العامة بوزارة الخزانة الأمريكية ، في قناة فوكس نيوز آخر الشهر الماضي انعكاسات ابتعاد الاقتصادات الناشئة عن الدولار الأمريكي باتجاه اليوان الصيني ، محذّرة من نهاية الدولار الامريكي في وضع العملة الاحتياطية في العالم الذي كان ” امتيازًا حقيقيًا” .
في نفس السياق ، تبنت روسيا الاتحادية الاسبوع الماضي استراتيجية جديدة للسياسة الخارجية اعتمدها الرئيس بوتين ، تعتبر الغرب مصدر “تهديدات وجودية” لموسكو ، فيما تُصنف الصين والهند دولتين صديقتين .
وبحسب ما اوردته صحيفة نيويورك تايمز ذائعة الصيت ” تراقب الصين الصراع في أوكرانيا و الصراع غير المباشر بين الولايات المتحدة وروسيا وترى في ما يحدث مصدر دروس لا تقدر بثمن “.
من زاوية اخرى نسمع مجدداً عن رؤية امريكية لم نشهدها يالتنفيذ سوى عبر التسييس ؛
اقتباس ..
“قانون الهشاشة العالمي” المدعوم من الحزبين والأطراف المعنية الرئيسية من المجتمع المدني المحلي وقادة المجتمع والأكاديميين والقطاع الخاص ، من خلال التنسيق المكثف والتقييم المستمر والمراقبة لمعالجة دوافع الصراع والعنف بشكل جماعي ولدعم البلدان المتعاونة معهم في السعي لتحقيق السلام و لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار مع البلدان والمناطق الشريكة ذات الأولوية. وهي خطوة نحو سلام عالمي أكبر. وترى هذه الخطط أن أكثر التحديات إلحاحا في عصرنا تتعدى الحدود الوطنية ولكن من خلال التعاون ، لامكانية معالجة الأسباب الكامنة وراء العنف وعدم الاستقرار قبل اندلاع النزاعات أو تصعيدها ، وتستخدم البيانات والأدلة لإيصال المعلومات لصانعي القرارات وتدمج مشاركة القطاع الدبلوماسي والتنموي والأمني ، سوية مع المساعدات الخارجية ، وغالبا ما تكون أكثر الدول تضررا هي الدول التي تتمتع بأقل قدر من الموارد للتعافي ، وبالتالي حشد العالم للاستجابة في وقت الأزمات وتخفيف الآثار على المجتمعات في مختلف أنحاء العالم ، ومواصلة تلبية المطالب الملحة والتطلع إلى الاستثمارات التي توفر مستقبلاً أكثر سلاما للناس في كل مكان، بما في ذلك في الولايات المتحدة ، مع القيام باستثمارات استراتيجية في الوقاية للتخفيف من نقاط الضعف الكامنة التي قد تؤدي إلى نشوب الصراع وأعمال العنف والتي هي ضرورية لتحقيق السلام الدائم ، مع الالتزام
بدعم حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد وتضخيم العمل الرامي إلى الوقاية وبناء القدرات، بما في ذلك أصوات النساء والشباب ، إدراكا لحقيقة أن الأقرب إلى التحديات هم أكثر من يعرف ما هو مطلوب لتحقيق السلام والتقدم .
انتهى الاقتباس ..
لكل ما تقدم نلاحظ أنه من الطبيعي أن يكون السوريون في الداخل والشتات مهتمين بشأن بلدهم في ظل المتغيرات العميقة في السياسات الاقليمية والدولية ، للخروج الآمن بالملف السوري نحو الاستقرار والسلام المستدام الذي برمته مرتبط بالحل السياسي وجوهره القرار الاممي 2254 وتنفيذه بالنكهة والطعم السوري بعيداً عن تسييسه وفق نظريات الفرض والانكسار ، للوصول الى منصة وطنية جامعة للسوريين تحدد بشكل واقعي متطلبات وإرادة الشعب السوري بشكل متوازن يحفظ حقوق الجميع ضمن سلة الوطن الواحد ، ويعزز فرص اقتصادية – اجتماعية واعدة تدفع بالملف المعيشي للمواطنين نحو الافضل وتتجاوز جميع مراحل الالم والاوجاع .
بين بوادر ظهور مرحلة نضوب الانقسام العربي والاقليمي والدولي حول الملف السوري ومدى عمق العقوبات الاقتصادية الجائرة التي تم فرضها على سورية وألحقت أضراراً بليغة بالشعب السوري ، قد تكون المرحلة القادمة إعادة البناء وإعادة تدوير الانتاج بما يساهم في الخلاص من رواسب الحرب وغضب الطبيعة ( الجفاف والزلازل ..) التي لحقت بالسوريين ، في ظل انفتاح سياسي وديبلوماسي ملحوظ ضمن واقع نحتاجه أكثر من أي وقت مضى .
علينا ان نتعاطى محلياً مع المستقبل في سورية برؤية تنتمي إلى التنوير والحداثة ، عبر مشروع نهضوي تنويري حديث يستجيب لقيّم المواطنة والفسيفساء السوري المتنوع ، وينأى عن التبعية للخارج أو الاستقواء به ، ويحقق الديموقراطية ويعزز منظومة حقوق الانسان ..
نحن نقف عند منعطف طريق في التاريخ وستحدد الخيارات اليوم شكل العالم للأجيال القادمة. وأعتقد أننا سنخلق مستقبلا أكثر سلاما وازدهارا للجميع من خلال الجمع اليوم بين التخطيط طويل الأجل والحلول المملوكة محلياً والواقع الممكن .
وكما قال محمود درويش ،
“نفعل ما يفعل السجناء
وما يفعل العاطلون عن العمل
نربي الأمل .”
والى لقاء آخر …
مهندس باسل كويفي
Discussion about this post