” ” ماهية الشعر والشاعر …
//////
الروائي د. عبد الجواد عباس …
قال :
(الشعر لا يتيسر لأي كان، الشعر ينبع من الوجدان وليس مجرد كلمات أحسست بها فقذفتها كما يقف الماء الآسن، الشعر رونق وإشراق وإلمعية، أزهار وورود ورؤى حتى في سياق الألم والشكوى.. الشاعر الحقيقي يغترف من معين ليس عادياً، انه إلهام وقطع من القلب والروح ينبض بالإحساس والتصورات الرائعة.. الشاعر الحق يحملك على المسرة معه.. ويحملك على الحزن معه.. يتجول بك في الخيالات البعيدة وعبر تجارب لا تخطر لك على بال، لكنها فى النهاية طيبة المذاق وهذا هو ما نطلق عليه إبداعاً).
من هنا سؤالنا …
ما الشعر والشاعر والغرض
.. ما الشعر .. ؟
ورسالة وقضية … هو جمالية في وقت متأن بأدوات المعرفة .. و غذاء الحكماء في حدائق السمو بالكلمة .. وتفرّد بإصرار في جنبات وهاد يوميات الحياة الرتيبة وهو الانشاد الذي لم يكن يوماً مشاع للكثير من الناس
وهو حقيقة … لا وكر له أو موطن يسكن اليه هو كطائر اسطوري في ذاكرة كل الشعوب .. يتكلم كل لغات العالم .. والشعر
تعلقاً بنبض حالم وكيان متجول ينشد الأصالة ويستعذب لحظات التلقي وانتقاء تيجان عباد الشمس و وجه من قبول موسوم بثغر فخامة واعتراف بممالك ودروب من بلاغة
أما الشاعر ..
فهو من عانق عشق القوافي ..و أدرك زفرات بواق الأحلام .. وهو فرح شابه قلق صامت وهمس مشروع فى ردهات ليست مشاعة وطارق على أبواب الإبداع ومفسر ضليع لمغاليق الحكمة وقرطاس بماء ورد معتق بسير السنوات. وتعب الرحلة .. وامل مقرؤ حذر . .
والشاعر ..
هو من نهل من منبع اليراع واستلهم نكهة القرطاس وهو رسول لمعلقات على جدران الصفوة .. الشاعر طائر فينيق توج رؤوس غابات سرو برية بلحن قاوم النوائب وعانق التطلع وتحدث بألف عنوان
لحكايات .. و بشائر من اشتياق .. وملامح… وهو أيضا القريب لعشق بمذاق قصيدة متفرّدة
ويظل الشاعر عوالم تسلحت بفراسة التمعن بنفوس استنزفت المسافات خطاها..ولحظات من ترقب وراء رداء سديم . وروح ثملى بمشاعر آتية من شفاه و قلوب دأبت على عشق الطريق ومحطات انتظار و لقاء .. .. تجسيدّ اللحظة .. ونهاية حين يرغب التوقف . . ,
وللشعر أغراض اردها الشاعر وبذلك فقد شكلّ في العربية مساحة بأدوات إبداع .. حتى ان بعض من كبار الشعراء كانوا فيه قد صنفوّا فمنهم من ارتبط شعره بذاتية جللّت برداء من حلم عبر توظيف أدوات ذهنية متوقدة محملة بأمنيات التآلف بين متخيل وواقع جمالي كما هو لدى الشاعر الليبية / الدكتور. جمعة الفاخري في قوله ..
يَا أَيُّهَا الحُلُمُ الوَضِيءُ: تَعَالَا ** لَذِّذْ صَبَاحِي رِقَّةً وَجَمَالَا
بَسْتِنْ أُوَيقَاتَ الهَنَاءِ وَنَقِّهَا ** وَانْشُرْ فَرَاشَاتِ البَهَاءِ ظِلَالَا
أَنِّقْ نَهَارِي بِابْتِسَامَاتِ النَّدَى ** بِالضَّوْءِ يَضَحَكُ دَافِقًا مُنْثَالا
بِصُدَاحِ طَيْرٍ رَاحَ يَتْلُو وِرْدَهُ ** يُطْرِي الإِلَهَ مَهَابَةً وَجَلَالَا
بِدُعَاءِ وَرْدٍ فَاحَ يَشْكُرُ رَبَّهُ ** فَابْنُ الحَدِائِقِ لَمْ يَزَلْ هَطَّالا
بِنَمِيمِ مَاءٍ رَاحَ يَسْتَلِمُ الرُّبَى ** قَدْ فَاضَ بِالخَيْرِ العَمِيمِ زُلَالَا
بِالعِطْرِ يَغْفُو فَوْقَ خَدِّ خَمِيلَةٍ ** كَيْ يَسْتَطِيبَ تَوَلُّهًا وَدَلَالَا
بِالشِّعْرِ يَهْمِي دَفْقَةً سِحْرِيَّةً ** يَصْبِي فَيَسْبِي وَاقِعًا وَخَيَالَا
وَيَتِيهُ يَتْلُو بَاهِرَاتِ مَجَازِهِ ** يُبْدِي مِنَ السِّحْرِ الحَلَالِ حَلَالَا
مِنْ لَغْوِ طِفْلٍ هَامَ يَسْتَحْلِي الصِّبَا ** وَيَحِيكُ مِنْ ضَحَكَاتِهِ أَقْوَالَا
مِنْ وَجْدِ شَيْخٍ قَدْ تَمَاهَى فِي التُّقَى ** وَأَسَرَّ فِي أُذُنِ الزَّمَانِ مَقَالا
مِنْ عَطْفِ أُمٍّ إذ تُهَدْهِدُ طِفْلَهَا ** غَنَّتْهُ مِنْ صَدَحَاتِهَا مَوَّالَا
مِنْ رِيقِ قَلْبٍ رَقَّ أَرَّقَهُ الهَوَى ** فَأَرَاقَ دَفْقَةَ شَوْقِهِ إِعْوَالَا
مِنْ وَجْدٍ مَلْهُوفٍ يُرَنِّحُهُ الجَوَى ** مَذْ هَامَ مَيَّلَهُ الغَرَامُ فَمَالا
يَا أَيُّهَا الحُلُمُ الوَضِيءُ: تَعَالَا ** لِنُكَبِّرَ اللَّهَ العَظِيمَ تَعَــالَى
ومنهم ما كان له جانب من لأصباغ لصورة معايشة في ركن من طبيعة وخلق لجمال آنية وكأنه بذلك يدفع بالمتلقي الى مواطن رسم صورة حركية تعانق عشق جمالي واسع المفاهيم كما عند الشاعر والفيلسوف اللبناني جبران خليل جبران حين قال :-
أعطني الناي وغنِّ ….وانس ما قلتُ وقلتا
إنّما النطقُ هباءٌ….. فأفدني ما فعلنا
هل اتخذتَ الغاب مثلي….. منزلاً دون القصورْ
فتتبعتَ السواقي….. وتسلقتَ الصخورْ
هل تحممتَ بعطرٍ….. وتنشقت بنورْ
وشربت الفجر خمراً….. في كؤُوس من أثير
هل جلست العصر مثلي…. بين جفنات العنبْ
والعناقيد تدلتْ ….كثُريّات الذهبْ
اما بعض الشاعر فكان لهم هذه الأهتمام بالجانب التأملي وهو تأمل اهتم بتفاصيل المكان .. وهذا ما نجده في قصيدة الشاعر البحتري حين وصف بركة ماء في احد القصور بقوله :-
:-
يا من رأى البركة الحسناء رؤيتها — والآنسات إذا لاحت مغانيها
يحسبها أنها في فضل رتبتها — تعد واحدة والبحر ثانيها
ما بال دجلة كالغيرى تنافسها — في الحسن طوراً وأطواراً تباهيها
تنصب فيها وفود الماء معجلة — كالخيل خارجة من حبل مجريها
كأنما الفضة البيضاء سائلة — من السبائك تجري في مجاريها
إذا علتها الصبا أبدت لها حبكا — مثل الجواشن مصقولا حواشيها
فحاجب الشمس أحيانا يضاحكها — وريق الغيث أحيانا يباكيها
إذا النجوم تراءت في جوانبها — ليلاً حسبت سماء ركبت فيها
وللفصول في السنة جانب من اهتمام مغاير آخر كوصف لحالة من تفتح الأزهار او كساء الأرض كما نجده عند الشاعر سهيل الأندلسي القائل :-
الأرضُ قد لبِستْ رِداءً أخضَرا … و الطلُّ ينثرُ في رباها جوهرا
هاجتْ فخِلتُ الزَّهرَ كافوراً … بها وحسِبتُ فيها التُّربَ مِسكاً أذفَرا
وكأنَّ سوسنها يصافحُ وردها ثغرٌ يقبلُ منه خداً أحمرا
والنهرُ ما بينَ الرّياضِ تخالُه سَيفاً تَعَلّقَ في نِجَادٍ أخضَرا
وجرت بصفحته الصبا فحسبتها كَفّاً تُنَمِّقُ في الصَّحيفة ِ أسطُرا
وكأنّه إذ لاحَ ناصِعُ فِضّة ٍ جعلتهُ كفُّ الشمسِ تبراً أصفرا
أو كالخدودِ بدَتْ لَنَا مُبيَضَّة ً فارْتَدَّ بالخَجَلِ البياضُ معصْفرا
والطّيرُ قد قامت عليه خَطِيبَة ً لم تتخذْ إلاَّ الأراكة َ منبرا
Discussion about this post