“إصحى يا نايم وحد الدايم” .. المسحراتي مهنة رمضانية الـ30 يوماً يحن لها الأجيال
كتب-اسامة خليل
أيام قلائِل ويهل علينا شَهر الطاعات ، يطل علينا ببركاته، ويفيض علينا بروحانياته، وتتغمدنا رحماته. شهر النفحات، والكرامات، وشهر التضرع إلى الله بالدعاء والتقرب إلى الله بصالح الطاعات، ويحتل شهر رمضان المبارك مكانة كبيرة في قلوب وتاريخ المسلمين وفي تراثهم أيضًا، إذ ارتبطت العديد من المظاهر التراثية به ومنها المسحراتي، ذلك الرجل البسيط الذي يطوف الشوارع حاملًا على عاتقه مهمة إيقاظ الناس لتناول وجبة السحور، مرددًا التواشيح الدينية والابتهالات التي يصاحبها ضربات موسيقية منتظمة على طبلته المميزة.
وينتسب ظهور “المسحراتي”، إلى عهد النبي محمد، عليه السلام، وتطور عبر حقب تاريخية عديدة؛ في العصر العباسي، والفاطمي، والمماليك، وحتى التاريخ المعاصر، فيما شهد تحولات جمة، وإن حافظ على سمته الخاص، وطابعه التقليدي؛ باستخدام “الطبلة”، التي يعلقها المسحراتي بحبل يتدلى من رقبته، ويستخدم عصا خيزرانية أو اثنتين، إحداهما غليظة والأخرى منمنمة، يطرق بهما على سطح طبلته الخشبية، بإيقاعات وألحان مدروسة وأنغام يرددها؛ مثل: “اصحى يا نايم.. وحد الدايم”.
أول مسحراتي في التاريخ
ويعد الصحابي بلال بن رباح، أول “مسحراتي”، في التاريخ الإسلامي، وكان يجوب الشوارع والطرقات، لإيقاظ الناس للسحور، بصوته العذب، المعروف عنه، طوال الليل. ويؤثر عن النبي أنه قال: “إن بلالاً ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم”.
وبعدها الوالي عتبة بن إسحاق، من قام بمهنة المسحراتي عام 832 هجرية، حيث كان يسير على قدميه من مدينة الفسطاط حتى مسجد عمرو بن العاص، وكان ينادي ويقول: “يا عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة”، ومنذ ذلك الحين أصبحت المهنة تلقى قبولًا عند عامة الناس لكون الوالي أول من عمل بها.
ويضيف عامر أنه في عصر المماليك ظهر “ابن نقطة” وهو شيخ طائفة المسحراتية، وكان المسحراتي الخاص بالسلطان الناصر محمد، وطور المسحراتية مهنتهم فقد مارسوا الطرق على الطبلة بالعصا، وكانت الطبلة تسمى “بازة ” وكانوا يطرقون عليها دقات منتظمة قوية ومدوية كافية لإيقاظ شارع بأكمله. ثم تطورت المهنة وظهر المسحراتي وهو يشدو بأشعار شعبية وزجل خاص يمتع السامعين، ويحبب المواطنيين في الاستيقاظ لسماعه وتناول السحور .
أجر المسحراتي
أما أجر المسحراتى فتغير على مر العصور. فقد كان يتقاضي جزءاً من الخراج وبعض المحاصيل والحبوب.
وارتبط الأجر بالطبقة التي ينتمي إليها المتسحر، وعادة ما كان الأجر يؤخذ بالحبوب، فيأخذ قدحاً أو نصف كيلة من الحبوب سواء ذرة أو قمح، وحسب ما يجود به المتسحر حسب قدرته، أما الفقراء فكان المسحراتي لا يقف أبدا عند منازلهم لتناول الأجر .
أما الآن، فقد تغير الوضع، بحسب ما يؤكد الباحث الأثري المصري، فمع تطور وسائل الاتصال والتكنولوجيا اقتربت مهنة المسحراتي من الاندثار والانقراض، فالناس لا ينامون في ليالي رمضان، وإذا فعلوا قام المنبه والهاتف الجوال بدور المسحراتي، إذ يكفي أن تضبطه لتستيقظ في موعد تناول السحور.
لكن رغم ذلك مازال المسحر اتي يجول ويصول من حين لآخر في مصر وشوارعها، ليس لإيقاظ النائمين فحسب، ولكن للتعبير عن الفرحة بقدوم رمضان، والاحتفال بأحد مظاهر الشهر الكريم وممارسة طقوسه القديمة.
Discussion about this post