د.رفعت شميس .
مِنبر .
مِنبر بكسر الميم كل مكان يرتفع عن الارض فيرتقيه الخطيب . ولكن ما هو اصل الكلمة وماذا عن مادة ” ن ب ر ” .
في المعجم الوسيط : النَّبْرَةُ : كلُّ مرتفع من شيء. و النَّبْرَةُ الوَرَمُ (1) . و النَّبْرَةُ رفْعُ الصَّوت حين النُّطق بالكلمة .
وأنا أرى أن رفع الصوت ليس نبرا الا اذا ضغط المتحدث على حرف مشدد فأخرجه قويا . ومن ذلك فإن ما كنت قد اسميته التلوين الصوتي انما هو عملية نبر .
ولا نقول عن خطيب (2) انه ينبر ما لم يحقق شرطين : أحدهما أن يعتلي مرتفعا كتلة او يرتقي سطحا او سلما او كرسيا وما شابه . والآخر أن يتعمد رفع الصوت وخفضه حين يتطلب ذلك ، وقد يضرب بعصا معه على حافة المنبر كي ينبه الغافلين عن سماعه ( 3) ولرفع الصوت وخفضه وتلحينه وتجويده فوائد في استقطاب السامع كي لا يمل ويشرد بذهنه من جهة ولكي ينبه من جهة أخرى على عظمة الكلام المثار . وقد رأينا ذلك في اساليب الخطباء سواء في السياسة أو الدين . بل من الخطباء في امور دينية ما يتلون فيه الصوت حتى يكاد يشبه الغناء وقد لمسنا ذلك في طريقة الآذان عند المسلمين وفي قراءة الموالد والحلقات الدينية وكذلك في الكنائس في تراتيل الصلاة .
في مختار الصحاح : نبر الشيء رفعه . وجاء في معجم لسان العرب : النبْرُ: مصدر نَبَرَ الحَرْفَ يَنْبِرُه نَبْراً هَمَزَه.
والهمز ان تقطع مد الصوت لأحرف العلة ” الف – واو – ياء ” بالوقف . مثل سماااااااااا ” كتبتها هكذا لأدل على مد الصوت ” فتتوقف فجأة – والتوقف يكون بقطع خروج الهواء بإغلاق الجوف – فتكون ” سماااااااااء ” .
وفي كلمة منبر قالوا : منبر الخطابة – منبر العدالة – منبر الأدب – منبر الشعر … الخ . ودائما كلمة منبر تعني ما ارتفع من الشيء ، ولكن لم ينتبه الكثير من الباحثين أن الخطيب وان ارتفع لا نقول انه ارتقى المنبر ما لم ينبر في كلامه . وعليه ليس كل من تحدث من مكان عليّ خطيباً . أو شاعرا أو أديبا أو قاضيا .
وقد جمعت كلمة منبر على منابر . واسم الفاعل مُنبر بكسر الباء ونابر من نبر . وفي مبالغة اسم الفاعل نبّار ، واسم المفعول : مُنبر بفتح الباء ومنبور . الا ان هذا لم يرد في نصوص مكتوبة إذ لا حاجة من ذكر اسم المفعول من الفعل نبر .
============
هوامش .
(1 ) : وردت كلمة نبرة بتسكين الباء بالتصغير ” نبورة ” اشارة الى الورم في مكان بالجسم اثر الاصتدام بشيء او لدغة حشرة . فيقال بالعامية الساحلية ” طلعلي نبورة “
(2 ) الأصل أن يحمل الخطيب عصا متوسطة الطول ولكن ليس للاتكاء كما شاع عند العامة وكما ورد في بعض كتب التراث وإنما للضرب بها على حافة المنبر لاسكات الجمع المستمع حين تعلو أصوات الهمهمة ، وعملية الضرب تلك اسمها النبر .تماما كما يفعل القاضي اذ يطرق بمطرقته الخشبية على سندان خشبي اجوف فيخرج صوت الطرق عاليا والغاية من طرقه هو اسكات الجمع المستمع اذا علت اصواتهم او تحدثوا بحديث جانبي .
ثم كان ان استبدل النابر العصا بالسيف – استبدل لا كي ينبر بالسيف بل للفت الانتباه الى اهمية ما يقول فالسيف اداة الفتح واداة القصاص ورمز الفروسية والبطولة .
( 3 ) تسمى عملية جني الزيتون في بعض مناطق الساحل ” النبر ” لأن ذلك يكون بضرب الغصن بعصا من قبل النابر فتتساقط حبات الزيتون على الأرض .
Discussion about this post