بقلم : عزة أبو العز
ظلت مساحات الاختلاف بيني وبين صديقي اللدود قائمة حتى كتابة هذه السطور، عرفته مثلي مثل غيري ( مجاملا، بسيطا، متواضعًا) مع الصغير قبل الكبير ، و بحكم تركيبتي النفسية الريفية أكبرت فيه هذا السمت الإنساني النبيل، ولكن بحكم طبيعتي العقلية الجادة كنت أفتش عن نقاط تفرده الإبداعية الخالصة بعيدًا عن تأثير بريقه الإذاعي اللافت أو مكانته النقابية ، ولاسيما أنني اكتشفت مع أول لقاء جمعني به – وكان ذلك في ندوة شهر نوفمبر ( لرابطة شعراء العروبة) عام ٢٠١٧م. – أنه من ذلك الصنف الذي خطفته نداهة الأدب بصوتها الساحر ليترك سحر التقاء الموجتين: الموجة الشقراء الآتية من اتساع وامتداد المتوسط بكل ما تحمله من تنوع ثقافي متباين، والموجة السمراء حيث نقطة المصب لنيل مصر الخالد في منطقة اللسان المعجز بمدينة دمياط العزيزة، ليستبدل بهذا السحر الطبيعي البيئي سحر الأثير العابر لكل الحدود والمسافات عبر إذاعة البرنامج العام، ويتخلى عن هدوء قريته الكبيرة في الماضي والتي أصبحت مدينة صغيرة في الحاضر – حسب توصيفه لها – ( ميت أبو غالب) إلى زحام المدينة الصاخبة، التي لا ترحم أبناء الأقاليم الغرباء، وربما كانت هذه هي نقطة تشابهنا الأولى على المستوى المكاني والنفسي لكوني أنتمي لقرية كبيرة في الماضي أصبحت هي الأخرى مدينة صغيرة في الحاضر وهي – مدينة الكردي دقهلية – والقريبة جدا من محافظة دمياط، فسررت في نفسي وأنا جالسة صامتة على طريقة أبناء القرى عندما يبحثون عن من يشبهم في ( المزايا أو العيوب ) وسط أضواء المدن الكبرى أو حسب رواية عمنا جاهين في الليلة الكبيرة ( ناس من بلدنا هناك أهم) بادر بالاتصال بي ودعاني لحضور صالونه ذائع الصيت في دار الأدباء لأكتشف وجها آخر للمثقف العضوي صاحب المشروع النوعي الذي يدير منصته الأدبية بحرفية المذيع الماهر المحافظ على مساحات الود بينه وبين الجميع رغم التفاوت في الثقافات والأيدلوجيات – بمهارة يغبط عليها – ، وبدت لي في الأفق نقطة خلاف جديدة من نقاط خلافنا الفكري الممتدة وهي المحاباة لبعض أصحاب الأعمال أثناء بعض المناقشات، كان يسمي ذلك تلطفا مع الأجواء الأسرية الاحتفالية بحفلات التوقيع وأسميته أنا تبسطًا له نتائجه السلبية خاصة عند أصحاب الأقلام الضعيفة والذوات المتضخمة، وبدأت بيننا الكثير من المناقشات تشتد وتيرتها مرة وتلين مرات، فبحثت عن من يكون هذا السيد الحسن الذي يظهر لي فهمه للب القضايا عند مناقشتها ولكن لديه القدرة على التعامل والتبسط مع قشورها، ولإيماني بأن المرء مخبوء بصورة أو بأخرى تحت إبداعه ، اطلعت على عوالمه الإبداعية بداية من دواوين ( هناك، وماذا سأرسم فوق المكان، وودت أني لا أرى، الطير بأحوالي أدرى، وكي لا تختصر الأحلام) مرورا بديوانه الشعري المدهش (ملك ليس يفني) الذي بلغ فيه منزلة رائقة من صفو الشعر وسمو منزلته وعمق مضامينه حتى ديوان : هيا نتعلم ونغني – للأطفال – ، لأقف مشدوهة أمام غواية التجريب لدى السيد حسن على المستوى الإبداعي، فعندما تستمع إليه يوهمك أنه لا يحب شيئا ولا يجيد صنع شيء سوى ملكه الشعري الذي ليس يفنى؛ والحقيقة من يرصد مسيرته المهنية والإبداعية سيجد أن علاقته بالفنون الإذاعية والأجناس الأدبية مثل علاقة من عشق صوت نداهة الأدب تغويه بصوتها الساحر فيتغلغل ويغوص في دواخل غوايات التجريب، والنتيجة أنه كتب للمسرح دراما السيف والكبرياء، كتب عن التوت والملكوت والوطن، كتب عن بلدياته الأشهر فاروق شوشة محللا أحلى عشرين قصيدة في شعر فاروق شوشة، كتب في مجال التنمية البشرية كتابه المهم والمفيد ( توقع المعجزة ولكن في نفسك أنت) وكم تمنيت أن يكمل في هذا الخط المهم، كما تمنيت أن يكمل كتابة الصور الإذاعية بعد أن سمعت له الصورة الإذاعية المدهشة في كل عناصرها كلمة ولحن وأصوات إذاعية رائعة ( يوم الكرامة) ، ولكن صديقي اللدود لايزال واقعًا تحت سطوة غواية التجريب، ليعلن على توجس قرب ظهور مجموعته القصصية الأولى ( فيما يرى الفاهم).
لم أتوقف كثيرا أمام فكرة تحول السيد حسن الشاعر إلى السيد حسن القاص لأن القارئ الواعي والزمن المنصف سوف يقولان كلمتهما الأمينة إن آجلا أو عاجلا.
ولكن الذي استوقفني أكثر هو إلى أي مدي يستجيب المبدع لنداهة الأدب وغواية التجريب؟
وهل الإخلاص لجنس أدبي بعينه يستطيع أن يبني ذاك الملك الذي ليس يفنى؟ أم في التعدد تشتت قد يضر ولا يفيد؟
الثلاثاء ٢١ فبراير ٢٠٢٣م
Discussion about this post