أستغرب وأنا أتابع المتحيزين للنص النثري وهم يستشهدون بالشاعر بدر شاكر السياب ويعتبرونه الأب الروحي للشعر الحر والنص النثري أو مايطلق عليه (قصيدة النثر). ميل الشخص نفسياً أو أدبياً نحو أي جنس أدبي لايحتاج إلى أعوان أو مناصرين، بل هو انتماء خاص يعكس طبيعته وحيز عطائه، أو مركز انطلاقته، أما قيمة النتاج فلا يحددها المنتمين لهذا الجنس، بل جمهور المتذوقين، وذلك ينطبق على كتّاب القصة والرواية والمسرح والقصيدة العمودية، فليس كل من كتب العمودي أصبح متنبياً، أو نالت قصائده القبول.
مايحصل اليوم أن هنالك من يتوكأ على تجربة السياب في كتابته أو انتمائه إلى جنس النثر، بينما حقيقة الأمر أن السياب لم يكتب نصاً نثرياً أو قصيدة واحدة من الشعر الحر، بل مايحسب له هو شجاعته في كسر قولبة الشعر في العمودي، وإحداثه ثورة تجديد بكتابته نصوص التفعيلة وإجادته فيها، أكثر من كونه شاعراً، رغم إمكاناته الشعرية الكبيرة، لكنه لو كان شاعراً تقليدباً فقط لما نال ماناله، بسبب وجود كم كبير من الشعراء المبدعين، إلا أنه كان شاعراً شجاعاً مجدداً ومواكباً للحدث في زمان، وربما بائساً بسبب ماعاش من أزمات اجتماعية وصحية في حياته، ونعود للأساس وهو قدرته على الخوض في مساحة خطرة، ألا وهي جرأته على التحديث، وذلك مهم جدا فيما وصل إليه، لكنه رغم ذلك لم يخرج عن مدرسة الفراهيدي، بل تمسك بنسق التفعيلة ولم يحد عنها متمسكاً بجذر الشعر، وليس هنالك أدنى رابط ما بينه وبين النثر لامن قريب أو بعيد، أما النثر فله رواده كأدونيس والماغوط والنواب وجبرا وشوقي ابو شقرا والعشرات ممن أبدع في هذا المجال، ولابد من رفع المغالطة في الربط مابين بدر وبين النص النثري وعدم توكأ كتبة النص النثري على تجربة السياب أو نتاجاته أو حتى الاستشهاد بها.
Discussion about this post