اِنْكِمَاشٌ…. بقلم جمعة الفاخري – ليبيا
اِسّْ .. اِسّْ .. جَهَرَتْ بِهَا جَوَارِحُهَا الْمُرْتَبِكَةُ فَجْأَةً .. اِسّْ .. رَدَّدَتْهَا جَوَانِحِيَ الْمُنْتَفِضَةُ اِرْتِعابًا .. صَوْتُ خُطُوَاتٍ تَتَقَدَّمُ نَحْوَنَا .. بِسُرْعَةٍ هَائِلَةٍ أَسْتَعْرِضُ أَيَّ فَرَاغٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَبِّئَنِي .. لا حَيِّزَ أَنْدَسُّ فِيهِ غَيْرُ ثُقْبِ الْبَابِ .. أَتَرَقَّقُ .. أَتَنَحَّفُ .. أَتَسَلَّكُ .. أَقْفِزُ بِجَمَلِ جَسَدِي الثَّخِينِ إِلَى سَمِّ خِيَاطِ الْبَابِ الْمُوصَدِ .. أنْكَمِشُ مُرْتَعِبًا فِي مُنْتَصَفِ الْقُفْلِ الضَّيِّقِ .. أَقْبَعُ هُنَاكَ يُسَمِّرُنِي رُعْبٌ مَهُولٌ .. يُخَثِّرُنِي ذُعْرٌ ذَمِيمٌ .. يُجَلِّطُنِي فَأَغْدُو لا حَرَاكَ بِي .. خَوْفَ ارْتِعَاشٍ يَنُمُّ بِي عَنْدَهُ .. يُتَرجِمُنِي الفَزَعُ كَائِنًا مُوَارَبًا عَلَى مَوْتٍ قَادِمٍ، يَشَطُرُنِي الْخَوْفُ إِلَى عَيْنَيْنِ مُتَوَجِّسَتَيْنِ، تَرْقُبُ الْيُمْنَى رَجُلاً ضَخْمًا نَافِثًا جَهَنَّمَ مِنْ كُوَّتَيْ لَهَبٍ مُصَوَّبَتَيْنِ نَحْوَنَا .. وَتُحْرُسُ الْيُسْرَى أُنْثَى مُرْتَبِكَةً تَلْتَصِقُ بِجِدَارٍ أَصَمَّ فِي غُرْفَةٍ زِنْزَانَةٍ قَدْ تَغْدُو قَبْرًا لَنَا فِي أَيَّةِ لَحْظَةٍ .. تَنْكَمِشُ .. تَتَصَنَّمُ .. تُصَنِّمُنِي مَعَهَا بِإِصْبَعٍ مُرْتَعِشَةٍ تَنْتَصِبُ أَمَامَ فَمِهَا مُحَذِّرَةً .. كُلَّمَا أَحَسَّتْ مِنِّي اِرْتِعَاشًا فَحَّتْ شَفَتَاهَا المتيبستان حَرْفَيْنِ ذّوَي أَزِيزٍ مُرْعِبٍ كَصَوْتِ الْمَوْتِ نَفْسِهِ، يَفُحَّانِ بِهَمْسٍ تَحْذِيرًا زَاجِرًا (اِسّْ .. اِسّْ).. يَقتَرِبُ مُلْتَهِبًا مِثْلَ سَعِيرٍ .. يُدَحْرِجُ أَمَامَهُ جَسَدًا ضَخْمًا ..يَسُوقُ قُدَّامَهُ تَظَاهُرَةَ رُعْبٍ مُحْتَدِمَةً .. يَدْفَعُ بِاتِّجَاهِنَا جَحَافِلَ حِقْدٍ أُسْطُورِيٍّ .. تَتَوَعَّدُنَا عَيْنَاهُ بِجَحِيمٍ شَنِيعٍ .. يَقْتَرِبُ .. نَتَسَمَّرُ فِينَا .. نُوْقِفُ نَبَضَاتِنَا تَوَجُّسًا .. يَدْنُو مُدَوِّيًا .. يَدْفَعُ الْبَابَ بِعُنْفٍ مَهُولٍ .. أَقْفِزُ دَاخِلَ ثُقْبِ الْقُفْلِ حَبَّةَ ذُرَةٍ تُلْهِبُهَا نَارٌ مَسْعُورَةٌ.. يَصْطَدِمُ رَأْسِي بِنُتُوءَاتِهِ .. يَتَقَدَّمُ مُدَمْدِمًا مِثْلَ إِعْصَارٍ .. يَقْفِزُ قَلْبِي فِيَّ فِزِعًا .. يَطْرُقُ جِدَارَ صَدْرِي .. أَنْكَمِشُ .. أَنْكَمِشُ .. أَنْكَمِشُ .. أَتَضَاءَلُ مِثْلَ ظِلٍّ .. يُدْخِلُ مِفْتَاحًا بِالْبَابِ .. يُدِيرُهُ .. يُدِيرُنِي .. يَلَفُّنِي .. يُكَوِّرُنِي .. أَنْغَلِقُ عَلَيَّ وَأَفْتَحُ .. أَنْغَلِقُ وَأُفْتَحُ .. أَنْغَلِقُ فَلا أُفْتَحُ .. تَمْضُغُنِي أَسْنَانُ الْمِفْتَاحِ .. أَلْتَفُّ عَلَيْهِ لَحْمًا وَشَحْمًا وَعِظَامًا .. أَغْدُو نُسْخَةً لَحْمِيَّةً لِمِفْتَاحِ رَجُلٍ مُتَسَعِّرٍ.. يَدْفَعُ الْبَابَ بِكَامِلِ قُوَّتِهِ .. يَصْرُخُ الْبَابُ الْمَدْفُوعُ بِي .. أَصْرُخُ صَامِتًا فِيهِ .. أَعْوِلُ أَعْمَاقًا وَجَوَانِحَ وَفَرَائِصَ .. تَئِنُّ مَفَاصِلُهُ الصَّدِئَةُ .. تَئِنُّ أَعْمَاقِيَ الْوَجْلَى .. يَنْفَتِحُ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ .. أَنْكَشِفُ عَلَى مِصْرَاعَي جُبْنِي وَانْكِمَاشِي .. أَتَسَطَّحُ عَلَى الْمِفْتَاحِ فَلا يَرَانِي .. يَشتَّمُّ رَائِحَةَ لَحْمٍ آدَمِيٍّ .. يُلْقِي نَظْرَةً عَلَى الْمِفْتَاحِ الْمُدَارِ حَدَّ الإِعْيَاءِ .. يُلْقِمُهُ جَيْبَهُ الهَاوِيَةَ .. يُوْدِع ُبِهِ نُسْخَةً مِنِّي .. نُسْخَةً آدَمِيَّةً لِمِفْتَاحِهِ الشَّرِسِ مِثْلِهِ .. يَزْفُرُ كَثَوْرٍ .. يَشْهَقُ .. يُدَمْدِمُ مِثْلَ رَعْدٍ .. يُسَدِّدُ نَظَرِاتِهِ الْجَحِيمَ فِي أَرْجَاءِ الْغُرْفَةِ .. أَنْكَمِشُ فَلا يَرَانِي .. يُصَوِّبُ جَمْرَتَي عَيْنَيْهِ لِلْمَرْأَةِ .. تُحَنِّطَانِهَا .. تُلْصِقَانِهَا بِشَفَا مَوْتٍ حَتْمِيٍّ .. تَتَقَهْقَرُ رُعْبًا .. تَنْكَمِشُ مِثْلِي .. لا بَابَ فِي الْجِدَارِ، وَلا ثُقْبًا لِمِفْتَاحٍ .. تَسْتَنْسِخُ خَوْفِي .. تُقَلِّدُ ارْتِعَابِيَ الْمُنْقِذَ .. تَكُونُنِي .. تَتَضَاءَلُ .. تَتَرَقَّقُ .. تَتَسَطَّحُ .. تَتَمَاسُّ وَالْجِدَارُ الْمُنْشَدِهُ الْمُعْتِمُ .. تَلُوذُ بِهِ .. تَلتَصِقُ بِهِ بِإمْعَانٍ .. يَقْتَرِبُ مِنْهَا .. تَتَشَبَّثُ بِالالْتِصَاقِ بِشِدَّةٍ .. يَزْدَادُ اِقْتِرَابًا .. تَزْدَادُ اِنْحِشَارًا فِي الْجِدَارِ الْخَشِنِ .. تَتَوَحَّدُ بِهِ .. تَتَمَاهَى مَعَهُ .. تَتَجَدَّرُ .. يَتَفَتَّحُ الْجِدَارُ لَهَا مَسَامَّ دَقِيقَةً جِدًّا .. تَنْسَكِبُ فِيهَا ظِلاًّ .. صَدًى لأُنْثَى مَذْعُورَةٍ .. يَشْرَبُهَا بِشَرَاهَةٍ .. يَمْتَصُّهَا كَأَرْضٍ عَطْشَى .. تَغْدُو لَبَنَةً فِي الْجِدَارِ الْكَتُومِ .. تُصْبِحُ طَبَقَةَ إِسْمَنْتٍ .. حَفْنَةَ رَمْلٍ .. مَسْحَةَ طِلاءٍ .. تَخْتَفِي .. عَلَى لا شَيْءٍ يَقْبُضُ الرَّجُلُ الْجَحِيمُ .. عَلَى سَرَابِ أُنْثَى تَتَلاشَى .. يُمْسِكُ بِتَلابِيبِ خَوْفِ رَجُلٍ يَتَوَارَى اِنْكِمَاشًا .. يُخْرِجُ الْمِفْتَاحَ مِنْ جَيْبِهِ .. تَلْسَعُنِي يَدُهُ الْمَعْرُوقَةُ .. تَسْكُبُ مِلْحَ خُشُونَتِهِ فِي طَرَاوَةِ جُرْحِي .. أَهْبِطُ مِنْهُ عَلَى رُؤُوسِ مَخَاوُفِي .. أَتَنَدَّى مِنْهُ قَطْرَةً قَطْرَةً .. تَرْكُلُنِي رِجْلُهُ فَأَتَزَحْلَقُ كَاتِمًا إِيَّايَ .. وَائِدًا خَوْفِيَ بِجُمُودٍ كَالمَوْتِ .. أَنْكَمِشُ .. يَجُولُ بِعَصَبيَّتِهِ فِي الْغُرْفَةِ الْمُوحِشَةِ .. أَنْكَمِشُ .. يَصَبُّ جَامَ اِشْتِعَالِهِ صُرَاخًا مَسْعُورًا .. يُصَوِّبُ حِقْدَهُ تَجَهُّمًا كَفُورًا .. أَنْكَمِشُ .. يَعْوِي كَأَسَدٍ مَطْعُونٍ .. أَنْكَمِشُ .. يَدْلِقُ جَبَرُوتَهُ الْمُبْطَلَ فِي الْخَوَاءِ الْمُخِيفِ .. أَنْكَمِشُ .. يَزْرَعُ رُعْبَهُ فِي الْجُدْرَانِ الصَّمَّاءِ بِحْثًا عَنَّا .. أَنْكَمِشُ .. يَعُودُ لِلْبَابِ الْمَشْدُوهِ
Discussion about this post