عبد الله سكرية.
“تنذكر وما تنعاد” … مع أنّها كانتْ جميلةً ..
حيّاكم .
ورُغْمَ ذلكَ ، كنتُ أغتبطُ ، لأنّني أعيشُ حالةً جديدةً ،لم أكنْ لأعيشَها في عرسالَ ، ولأنّني أتمتّع برؤيةِ السّابحاتِ ،وهنّ يرتدين ثيابَ البحرِ بما خفَّ ورقَّ ! وكمْ لفتَ نظرَنا هناكَ ، ونحنُ آتونَ مِنْ مُجتمَعٍ مُحافظٍ ، تَعَانُقُ عاشقينِ ،راحا يَتبادلانِ القُبَلَ بحريَّة وصفاقةٍ ! والطّريفُ أنّني عرفتُ أحدَهما ، فقد كان طالبًا جامعيًّا كنتُ أراهُ في قاعةِ المحاضراتِ في كلّيةِ الآدابِ .وتصوّرْ نفسَك وأنتَ في بلدتِك تسوِّلُ لكَ نفسُك لتقومَ بمثلِ هذه الحَرَكاتِ ، وأنت في مكانٍ عامٍ ؟! لاشكّ في أنّها مفارقةٌ عجيبةٌ ، ما مِنْ أحدٍ يَستطيعُ أنْ يتحمّلَ تبعاتِها أو عواقبَها ..
وتَمضي الأيّامُ الأُولى للدَّورةِ ثقيلةً ،على مَن كانَ مِثْلي في علاقتِه مع مادّةِ الرّياضياتِ ؛ اكتفيت ُفيها بالحضورِ واللّامبالاةِ في الفترة الصباحية ، وأقومُ في الفترةِ المسائيةِ بالتّنقُلِ هُنا وهُناك في الشّوارعِ ،أفتّشُ فيها عن أشياءَ لا أَعرفُها ، وما عرفتُها حتّى اليومَ . كنت أُسلّى نفسي، وأنا أنظرُ إلى البحرِ، في محيطِ صخرةِ الرّوشةِ . كانتْ تَبهرُني سعتُه وضخامتُه المَهيبةُ ، وتُخيفني صورةُ أعماقِه ، وجلالةُ صنعتِهِ ، وأروحُ أتصوّرُ ما يخبِّئُه ُمِنْ أسرارٍ ، وتَأخذُني إلى جانبهِ صُورُ تلك البناياتِ العامرةِ المُتقنَةِ ،كما زحمةُ المرورِ على اتّساعِ الشّوارعِ ، يرافقُها أصواتُ وضجيجٌ تُشعرُكَ بالضّجرِ، بقدْرِ ما تُعرّفكِ بمعالمِ الحياةِ في المدينةِ.
ومع الصّديقَين الزّميلَين محمدٍ وجرجسَ ،وللعلمِ بالشّيءِ ليس إلّا ، كنّا نتجوّلُ في حارَة الملاهي ؛ وما الذي كنّا نستطيعُه غيرَ ذلكَ ؟ كنّا نكتفي بأن ندخلَ الملهى ، فنسمعَ ونرى ونشتمَّ ! موسيقى وسيقانٌ وخمورٌ ،ومعها ضحكاتٌ وقهقهاتٌ من رجالٍ ونساءٍ ، وشيٌء مِنْ ضَوْءٍ كانَ يَغمرُ المكانَ ! وكأنّها من علائمِ تلك الأمكنةِ الغريبةِ على أمثالِنا مِنْ طَوارئِ الزوّارِ .ونعودُ أدراجَنا كلٌّ إلى عرينِه ، لنلتقيَ في اليومِ التّالي في مسبحِ الجامعةِ كالعادةِ .
هي عينُها ! سابحونَ وسابحاتٌ ، وسامرونَ وسامراتٌ ، والماءُ نقيٌّ جاذبٌ ، ولكَ أنْ تُسلّي نفسَك كيف شِئتَ واسْتطعتَ !. وهذا ما كانَ يفعلُه رفيقاي والآخرون ، ولمْ أكنْ لأفعلَه أنا . ويدورُ حديثٌ سريعٌ ، مع كلٍّ مِنْ جرجسَ ومحمدٍ حولَ زيارةِ أمسِ ، فيروحَ كلُّ واحدٍ منّا يتندّر حولَها ، كيفَ يشاءُ ، ثم ينتقلُ الحديثُ ليتناولَ برودةَ الماءِ ،وحَلاوةَ الغَطْسِ، ورياضةَ السّباحةِ .ويقفزُ كلٌّ منهما برشاقةٍ وخفةٍ وسْط الماءِ ، وأنظرُ، وأنتظرُ ويلفتَ نظري أنّ أطفالًا صغارًا يَغوصونَ ويَعومونَ ، ويَمرحونَ تحتَ الماءِ ويَلعبونَ بطلاقةٍ وحرّيةٍ !
ولم أجدْ نفسي إلّا فاعلًا كما يفعلُ هؤلاءِ الصِّغارُ ،وبلا تردُّدٍ فعلتُ كما يفعلون ! وإذا بي أَصيرُ بِلحْظةٍ في قاعِ الماءِ، وما عدتُ أعرفُ كيفَ أستطيعُ العودةَ إلى حيثُ كنتُ ؟ حاولتُ التّجديفَ فما عرفتُ، وشعرتُ كأنّني صرتُ وحيدًا في عالَمٍ غريبٍ ،لا أفهمُ طلاسمَه ، ولا أسمعُ فيه ولاأرى ،والماءُ يثقلُ ،وقد صارَ مخيفًا ! وما ساعدتْني حركاتٌ ضعيفةٌ قمتُ بها في أنْ أتخلّصَ ممّا أنا فيه ! وفي خِضمِّ هذه المشاعرِ، لم أجدْ نفسي إلا مشدودًا بخِفةٍ عجيبةٍ إلى فوقُ، حيثُ أُخرِجْتُ من الماءِ ،لأَرى نفسيَ بينَ النّاسِ، ويَدا صديقي محمدٍ تُفلتاني ليقولَ لي : الحمدُ للهِ على السّلامةِ !…
…………..
Discussion about this post