كتب…خطاب معوض خطاب
يعد الموسيقار فؤاد الظاهري واحدا من عظماء وأعلام ورواد فن الموسيقى التصويرية في السينما المصرية، وقد تفوق على من سبقوه ومن لحقوه في اقتحام هذا المجال سواء من ناحية الكيف أو الكم، وهو بحق يمثل علامة تاريخية لا تنسى ولا يمحوها الزمن من تاريخ السينما المصرية، وقد تنوعت إبداعاته ما بين التأليف الموسيقي والعزف والتلحين بالإضافة إلى التوزيع الموسيقي، والعجيب أن إبداعاته الموسيقية قد صارت من علامات السينما المصرية وتعلق المشاهدون بها، وكانت سببا كبيرا لنجاح وشهرة الأعمال السينمائية التي أبدع موسيقاها التصويرية، فموسيقاه معروفة ومميزة لدرجة أننا بمجرد مشاهدة مشهد من أحد الأفلام وسماع جزء من موسيقاه التصويرية نتيقن أنها من إبداعه، ربما قبل أن نعرف من هو مخرج هذا الفيلم.
وفؤاد الظاهري بالفعل هو أسطورة الموسيقى التصويرية الذي لا يعرفه الكثيرون، فهو أحد الرواد الكبار في هذا المجال، مثل عزت الجاهلي وأندريا رايدر وعلي إسماعيل، وللأسف الشديد هو واحد من المهمشين في تاريخ السينما المصرية، فلا ينشر عنه كثيرا في وسائل الإعلام، وربما لا يعرف الكثيرون منا صورته، فقط ربما يلحظ بعضنا اسمه على تترات الأفلام التي قام بوضع موسيقاها التصويرية، فمن منا لم يتأثر مثلا أو يحب موسيقاه في أفلام “شباب امرأة” و”لا أنام” و”الزوجة الثانية” و”باب الحديد” و”صراع في الوادي” و”رد قلبي” و”نحن لا نزرع الشوك”، بالإضافة إلى مسلسل “عائلة الدوغري”، وغيرها من الموسيقى التصويرية التي قام بوضعها، وكانت دوما من أهم عوامل الجذب لمشاهدة هذه الأفلام وبقائها في ذاكرة مشاهديها حتى اليوم.
والظاهري أرميني الأصل وولد في يوم 15 أكتوبر سنة 1916، واسمه الأصلي فؤاد جرابيد بانوسيان ولقب بالظاهري نسبة لمنطقة الظاهر التي ولد ونشأ بها، وقد تلقى تعليمه بمدرسة الفرير ورعى موهبته وشجعه على دراسة عزف آلة الكمان أستاذه الفلسطيني قسطندي الخوري، ثم حصل على شهادة الكفاءة والتحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى العربية، حيث درس في المعهد العزف على آلة الكمان على يد البولندي أليكساندر كونتروفيتش، ودرس الهارموني على يد جورج كوستاكي اليوناني، وبعد تخرجه في المعهد عين مدرسا للأناشيد بوزارة المعارف، وفي عام 1942 تكونت فرقة للكورال وأوركسترا في كنيسة سان جوزيف وكانت تقدم عروضها باللغة الفرنسية فاشترك كعازف كمان في الأوركسترا تحت قيادة المايسترو الإيطالي ميناتو ثم شارك في الكورال.
وفي عام 1946 قام الظاهري بتدريس الغناء المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وفي العام التالي قام بتسجيل بعض الأعمال الشهيرة لإذاعة الشرق الأدنى، وفي عام 1948 عمل أستاذا لآلة الكمان بمعهد فؤاد الأول للموسيقى العربية، وفي عام 1950 تولى قيادة فرقة الفجر وأشرف على فرقة الإذاعة المصرية للوتريات، وفي عام 1953 تم تعيين مؤلف الموسيقى محمد حسن الشجاعى مراقبا عاما للموسيقى والغناء بالإذاعة المصرية والذي قام بتشجيع الموسيقيين الموهوبين ووفر لهم الإمكانيات لتقديم مؤلفاتهم، فقدم الظاهري “صور موسيقية” و”أصداء موسيقية” و”نداء الحرية” و”الأرض الثائرة” و”ليالي شهر زاد” و”السندباد” وغيرها من المؤلفات الموسيقية.
وقام الظاهري بالتوزيع الموسيقي لألحان عدد كبير من كبار الملحنين أمثال سيد درويش وداوود حسني وزكريا أحمد ومحمد القصبجي ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وفريد الأطرش وكمال الطويل، كما قام بتأليف الموسيقى للعديد من عروض مسرح التليفزيون مثل “قرية ظالمة” و”العش الهادئ” و”خان الخليلي” و”الناس والبحر”، وكذلك للكثير من الحلقات التليفزيونية مثل “العسل المر” و”ابن الحتة” و”تاجر البندقية” و”البحر الأحمر” و”العمالقة” و”الاعتراف” و”عائلة الدوغري”، وللمسرح مثل “سليمان الحلبي” و”بير السلم” و”رجل عجوز” و”طيور الحب”.
أما إنتاجه الأكبر فقد كان في تأليفه لموسيقى الأفلام الروائية لكبار المخرجين السينمائيين مثل صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وحسين كمال وعز الدين ذو الفقار وأشرف فهمى وحسن الإمام وعاطف سالم وكمال الشيخ ومحمد كريم ونادر جلال وغيرهم من عمالقة الإخراج في مصر، ومن هذه الأفلام “شباب امرأة” و”لا أنام” و”باب الحديد” و”صراع في الوادي” و”نحن لا نزرع الشوك” و”الزوجة الثانية” و”أميرة حبي أنا” و”طائر الليل الحزين” و”رد قلبي” و”ليل وقضبان” و”خلي بالك من زوزو” و”النمرود” و”حب وإعدام” و”دليلة” و”بدور” وغيرها من الأفلام السينمائية.
وبالإضافة إلى هذه الأفلام الروائية قام فؤاد الظاهري بتأليف الموسيقى للعديد من الأفلام التسجيلية مثل “الإصلاح الزراعي” من إخراج محمد كريم و”حديقة الحيوانات” إخراج حسن رضا و”مقدمة موسيقية” إخراج حسن الإمام و”آثار النوبة” إخراج سعد نديم و”السد العالي” إخراج صلاح التهامي، وقد حصل الظاهري على العديد من الجوائز عن أعماله مثل جائزة من مؤسسة دعم السينما عام 1959 عن “رد قلبي” وجائزة عن “الزوجة الثانية” وجائزة عن “الصدى” عام 1974، وجائزة عن “أميرة حبي أنا” من هيئة السينما والمسرح والموسيقى عام 1975، وجائزة عن موسيقى “طائر الليل الحزين” من جمعية نقاد السينما عام 1977.
وقد عانى فؤاد الظاهري طويلا من المرض في أواخر حياته، ورحل عن الدنيا في أول أكتوبر سنة 1988 عن 72 عاما، بعدما ترك لنا هذا التراث الضخم من المؤلفات الموسيقية القيمة، والتي استحق عنها التقدير بكل جدارة.
Discussion about this post