مختارات ..
=-=-=-=-=-=
غاليليو Galileo …
د.علي أحمد جديد
هو (غاليليو فينتشينزو غاليلي) فيلسوف وفيزيائي وفلكي إيطالي الأصل ، من مؤسسي الثورة العلمية في القرن السابع عشر . منهجه العلمي ومساهماته في كلٍّ من علوم الفيزياء ، والفلك ، والفلسفة الطبيعية لا تزال تحظى باهتمام العلماء حتى يومنا الحاللي ، فضلًا عن مساهماته العلمية المميزة واختراعاته .
ولد (غاليليو) في مدينة بيزا في فلورنسا في إيطاليا في 15-2-1564م ، وكان الابن الأكبر لوالده (فينشنزو غاليلي) الموسيقي المشهور ، ولوالدته (جوليا أماناتي) ، وله 6 أشقاء آخرين . انتقل في عام 1574م مع عائلته إلى فلورنسا .
وفي عام 1580م.
التحق (غاليليو) بجامعة بيزا لنيل شهادة الطب، ولكنه لم يكمل دراسته في هذا المجال لأنه مال شغفاً بدراسة الرياضيات وعمل مُدرساً خصوصياً لمادة الرياضيات حيث حصل بعد مدّة على فرصة للعمل كأستاذ للرياضيات في “جامعة بيزا” ، وعمل أستاذاً في “جامعة بادوفا” في (البندقية – فينيسيا) ، وهناك تفرَّغَ لعمل عدة اختراعات ، منها آلة حسابية من تصميمه ، وزاد شغفه وميوله إلى علم الفلك بعد أن تعرف على التيليسكوب ليخترع أجهزة مُحسنة منه لإنجاز اكتشافاته الفلكية المميزة . وفي عام 1611 قُبل كعضو في أكاديمية “دي لينسي العلمية” ، ولكن في عام 1612م انتقل إلى فلورونسا بصفته “أمير علماء الرياضيات” والفيلسوف الكبير بعد حصوله على درجة الأستاذية في “جامعة بيزا” .
اجتهد (غاليليو) في محاولة تجديد مفاهيم الفلسفة الطبيعية والمناهج التي كانت تُدرس من خلالها ، وانتقل إلى قصر مديتشي في فلورنسا ، ليصبح رياضي الدوق حيث طلب من الدوق شرف نيل لقب الفيلسوف . لم يكن سبب طلبه اللقب لتعزيز مكانته ومنصبه ، وإنما من أجل دعمه في استبدال المفاهيم التقليدية المرتبطة بمفهوم الفلسفة الطبيعية الأرسطية التراث ، ومن أجل تقديم مفاهيم ميكانيكية حديثة ، وتطوير العلم الحديث الذي بات من سمات الفلسفة الحديثة ، فكان منهج (غاليليو) المُستحدث في التفكير هو منهج الثورة العلمية التي اعتبرها البعض فاتحة نماذج عقلية جديدة و نموذجاً جيداً للفهم ، بعد استبدال الأفكار الأرسطية بطرق جديدة تصف خصائص المادة وحركتها باستخدام الرياضيات والتناسب ، وآلات (أرخميدس) القديمة كالميزان ، والسطح المائل ، والرافعة ، والبندول الخاص بغاليليو ، وجميعها أدوات رغم بساطتها إلا أنها غيّرت الطريقة التي يُنظر فيها ويتم الحديث عن وصف المادة والحركة من خلالها .
ومن أبرز مساهمات (غاليليو) العلمية في مجال الفلك :
قدّم (غاليليو) مجموعة من الاختراعات والدراسات التي دعمت علم الفلك ، ورغم أن بعض الاختراعات كانت موجودة من قبل ، لكنه طوّره وعمل على تحديثها لتتناسب مع احتياجات العلم وتطوّره . ومن مساهماته في هذا المجال كانت في صنع التلسكوب ثلاثي القوة من العدسات ، وعلّم نفسه فن (طحن العدسة) في انتاج تلسكوبات قوية ، وقدم أداة بثماني آلات إلى مجلس الشيوخ الفينيسي الذي كافأه ببذخ .
كما استخدم تيليسكوباً يُقرّب السماء بمقدار 20 ضعفاً ، ومن خلاله رسم مراحل القمر ، وأوضح أن سطح القمر خشن وغير متساوٍ وأنه ليس أملساً كما كان الاعتقاد سائداً حينها ، ورأى أن النجوم في السماء أكثر مما كان يُرى بالعين المجردة .
واكتشف أربعة أقمار تدور حول كوكب المشتري ، أطلق عليها اسم (عائلة ميديشي) أو النجوم الطيبة ، واكتشف أن هناك أكثر من مركز واحد للحركة في الكون .
اكتشف كذلك المظهر المحيّر لكوكب (زحل) ووجود حلقات تحيط به ، كما اكتشف أن كوكب (الزهرة) يمر بمراحل كالمراحل التي يمر بها القمر .
ولما اكتشف البقع الشمسية جادل بأن الشمس هي مركز الكون وأن (الأرض) كوكب كغيرها من الكواكب التي تدور حول الشمس وهي النظرية التي جادل فيها (كوبرنيكوس) من قبل ، وبذلك كان تَحوّلُ (غاليليو) إلى الكوبرنيكية نقطة رئيسية ساهمت في الثورة العلمية التي كانت سبباً لمعارضته نظرية (أرسطو) وسبباً رئيساً في خلافه مع الكنيسة ورجال الدين المتمسكين بالنظريات اليونانية القديمة .
لكن (غاليليو) أخطأ في نظرية الحركة التي طرحها ، والتي اعتقد فيها أن القوة المؤثرة على الجسم هي الفرق النسبي بين جاذبيته النوعية وثقل المادة التي يتحرك من خلالها ، وتراجع بعد أن أدرك خطأه فأعاد النظر في نظريته من خلال دراسته للطائرات المائلة والبندول ، وصاغ القانون الصحيح للأجسام المتساقطة أي تساقط الجسم في السقوط الحر ، وتوصّل إلى أن القذيفة تتبع مسارها المكافئ باستنتاج أن المسافة التي يتحركها الجسم من السكون في ظل تسارع منتظم تتناسب مع مربع الوقت الذي تستغرقه ، كما قدم في خطاباته التي تم تهريبها ونشرها في إيطاليا مواضيع رياضية هامة ناقش فيها وعالج من خلالها المشاكل التي تتعلق بالزخم وبمراكز الجاذبية .
ولا يُمكن تجاهل قصة (غاليليو غاليلي) ومتاعبه مع الكنيسة ومحاكمتها له ، رغم محاولاته تجنب الجدل أوتقديم تصريحات معارضة ضد الكنيسة إلا أنه في أواخر عام 1632م عندما نشر كتابه الذي حمل اسم “حوار حول النظامين الرئيسيين للكون” ، تعرّض لانتقاد شديد وخضع للتحقيق في روما بأمر من المكتب المقدس التابع لمحكمة التفتيش ، وطُلب من (كاستيلي) تلميذ (غاليليو) وخليفته في كرسي الرياضيات في بيزا أن يُقدم شرحاً للتناقضات الظاهرة بين نظرية (كوبرنيكوس) وبين معتقدات الكنيسة . فقدّم (كاستيلي) العديد من الحجج والبراهين ، إلا أنها لم تُنصف (غاليليلو) بحسب رأي مجلس الكنيسة ومحكمة التفتيش فأدانه المجلس الكنسي في عام 1633 بتهمة التدريس والدفاع عن نظرية (كوبرنيكوس) والتي تنص على أن الشمس هي محور الكون وأن الأرض تدور حولها ، والتي لم يُعترَف بها من قبل الكنيسة فتمّ تجريمه ، حظر كتاب (غاليليو) واعتبر كلامه خرافات وهرطقة لا أساس لها ، وأُمر بالتراجع عن كلامه ، وجلس أربع جلسات ليتم الاستجواب حول نظريته الكوبرنيكية بدوران الأرض حول الشمس ، لكنه كان مصرّاً على اعتقاده ومتمسّكاً بنظريته . لينتهي الاستجواب بقرار إعدامه .
وفي لحظة نطق الحكم بإعدامه ضرب (غاليليو) الأرض برجله وقال :
” ومع ذلك فإن الأرض تدور ” .
وتم تخفيف الحكم إلى السجن المؤبد ، لكنه خرج بعد فترة والتزم داره حتى مات فيها .
الخلاصة :
__________
غالباً ما يتم استخدام الإجراء المتَّبع ضد (غاليليو غاليلي) في القرن السابع عشر كحجّة ضد العماء الخلقيّين واللاهوتيّين ، الذين يتخذون من وفائهم المطلق للكتاب المقدس نقطة انطلاق في بحوثهم العلمية . ويقول المنتقدون بأن الإيمان المطلق بالكتاب المقدس ، يتسبب بالعمى للخلقيّين ويمنعهم من التقدُّم العلمي ويعيق العلم . وهو ماكتبه (هاتيسجورغ) و (ولفغانغر هيمينغرز) في كتابهما “ضدَّ الخلق” :
” إن الحركة الخلقيّة اليوم تنقلب ضد أعظم العلماء الطبيعيّين المسيحين في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ، ضدّ كل من كوبرنيكوس ، غاليليو ، كبلر ، ونيوتن . وهي تكرر الإجراء الذي اتُّبِعَ ضد (غاليليو) وتُجادل من حيث المبدأ مع محاكم التفتيش ، اذ أن القضية أثناء المرافعات كانت – من بين أشياء أُخرى – تتعلق فيما إذا كان بإمكان العالم الطبيعي أن يمتلك الحرية لاعتبار تحديد التجارب والرصد على أنها أسمى من الكتاب المقدس .
إن الخلقيّين المعاصرين يتمتعون من حيث المبدأ ، بنفس وجهة النظر التي تمتع بها المحقّقون، نظراً لأنهم يتبعون أسلوب التفسير التطبيقي الحرفيّ للكتاب المقدس ” .
وفي هذا مغالطة بطبيعة الحال ، إذ أن (غاليليو) كان عالماً مؤمناً بمصداقية الكتاب المقدس ويسعى لإظهار أن نظام كوبرنيكوس (مركزية الشمس) يتوافق مع النصوص المقدَّسة . وكان يحارب المبادئ المعاصرة له في تفسير الكتاب المقدس – التي أُعميَت بتأثير فلسفة (أرسطو) التي لم تُنصف النص التوراتي في الكتاب المقدس . لم يتم لوم (غاليليو) بسبب انتقاد الكتاب المقدس إنما بعصيان الأوامر البابوية . واليوم ، يقرأ معظم العلماء الخلقيّين الكتاب المقدس بشكل مختلف عن المدرسة المعاصرة لتفسير النصّ الكتابي ، أي باستخدام النقد العالي ، وبالتالي فإنهم يتعرضون للانتقاد من قِبَل المؤسسة اللاهوتية الليبرالية ومن علماء الطبيعة .
Discussion about this post