الغموض في الشعر…
. بقلم الشاعرة ندا ذبيان
هي مسألة تستحق أن نتوقف عندها أحياناً نقرأ القصيدة أكثر من مرة ولا نستطيع تحديد الفكرة أو نخرج باستنتاج! فإذا كان الشعر كلام ممزوج بالإحساس يعبر عن واقع الناس وعن ما يؤرق وجودنا يصبح من الضروري توضيح هذا الواقع ووصف هذا الشعور – الا في حالات لا يستطيع الشاعر توضيحها ربما لأسباب خاصة- ومن الضروري أن يكون الشاعر مثقفاً يستوعب الأحداث ويتوغل في أعماق القضايا فينتزع الدلالات لتكون الأساس الذي تُبنى عليه القصيدة. وشفافية الشاعر تُضيء على فظاعة أو تفاهة ما يجري وليس من الضروري أن يقدم الشاعر إجابات أو استنتاجات نهائية بل يكفي تقديم تساؤلات أو إشارات ويترك مساحة للقارئ للتفكير ولكن ليس للحيرة، والمشكلة حين يأتي النص غامضاً لا يقدم شيئاً من التصور أو الاستنتاج ولا حتى يترك لنا موضوعاً للتأمل! وهذه فوضى تؤدي إلى كد وجهد لدى القارئ دون طائل، فالغموض لم يعد شفافاً ووصل إلى حد الانغلاق والإبهام وعدم التماسك أو التجانس بين الأفكار والعبارات، وبهذه الحالة يفقد الشعر خاصية التعبير عن الواقع وعن كل دفق شفاف وصادق للشعور، لقد أصبحت أكثر قصائد الحداثة مجرد كلمات مبعثرة لا قيمة لها ولا دلالة ولا جمالية ولا سياق يُنظِمها فالحداثة في الشعر لا تعني أبداً كل هذا الانغلاق ولا الانفلات من أصول اللغة وهدم أسسها الجمالية وحين لا تتوفر اللغة الجميلة يصبح الغموض لا يتوقف على مستوى القارئ العادي بل على مستوى القارئ الأكاديمي أيضاً الذي يدعي فهم مغلق قد لا يكون له صلة بالنص فيصبح فهم الناقد لا حقيقة النص… لا شك أن هناك أشياء كثيرة أثرت في توجهات الشعراء فأخذوا شواهد من التاريخ والسياسة والأساطير والميتافيزيقا والحرب… وهذه الرموز المأخوذة لن يكتشفها القارئ العادي،فالرموز يفهمها القارئ المثقف والمتمرس بقراءة الشعر وهذا ما يعتبره بعض النقاد غنى، ولكن هذا الغنى والعمق يبقى محيراً ويصعب على القارئ الآخر فتبقى الفكرة مبهمة. هناك عبارة شهيرة للنفري يقول: “كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة” وهذا القول اعتمد عليه كثر من شعراء الحداثة منهم أدونيس، ولكن يجب أن نسأل هنا إلى أي مدى يمكن الاعتماد على هذا القول؟! وإذا كان هذا العصر عصر التناقضات والسرعة والغموض هل من الضروري أن تضيق العبارات كما تضيق بنا معظم السبل؟! الشعر هو المُتنفس والحلم الجميل الذي يحررنا من الانغلاق ويدفعنا إلى عالم الشفافية فلماذا لا نتركه لشفافيته ونقاؤه؟! ولماذا التضييق ! فالشعر الرومنسي يرتبط بالعفوية والتلقائية والبعد عن التعقيد! وكذلك الشاعر حين يكتب يكون في حالة تدفق شعوري لا يسمح له بالتوقف فكيف له بتضييق العبارة أو التمويه؟! وهذا التضييق والتمويه هو ما يبعد القارئ عن الفهم فيضفي على النص أبعاداً جديدة أو دلالات قد لا يكون لها وجود في النص، وهذا لا يعني أيضاً الحشو والإطالة فالحشو مُمل أيضاً ! وإذا كان دور الشاعر أو الكاتب تثقيفي نهضوي فكيف له أن يقوم بهذا الدور التثقيفي مع غياب الدلالة غياباً كاملاً داخل النص المُغلق؟! وكيف يمكن للمتلقي أن يعرف عمَ يتحدث الكاتب؟ ربما هناك ظروف تدفع بالبعض إلى التمويه كالقمع مثلاً أو الخوف من الانكشاف ولكن معظم النصوص المبهمة لا صلة لها بمواضيع يمكن أن تُقمع! لنترك للشعر عفويته وجماليته! ألا يكفينا التشويه للغة! والتمويه وطمس الحقائق! الا يكفي كل هذا الانحدار على مستوى الثقافة والفن! لا أعرف إذا كانت مسألة الغموض في الشعر تحقق غاية ما؟ لنترك لكم الحكم على هذه القضية… أما ما يعنيني من هذا الموضوع هو الشفافية المطلقة التي اتمسك بها ولن يدخل القلب إلا الكلام الخارج من القلب… مع كل الصدق والمحبة لمن عرف قيمة العبارة وقيمة التوجه الصادق.
بقلم الشاعرة والكاتبة ندا ذبيان.
Discussion about this post