الفيسبوك وفتنة الدراويش.
بقلم: طارق حنفي
مصر
———————-‐‐———————-
من الطبيعي أن يسر أي منا لتفاعل الآخرين – إيجابيًا- مع ما يكتب أو يقول، على الأخص ذوو المواهب، فنان من نوع ما، صاحب كلمه، شاعر، كاتب، عالم… إلخ؛ يشعر بالسرور لأن موهبته أو كلمته نافعة، وتلقى استحسان الآخرين..
ومواقع التواصل الاجتماعي -ومنها الفيسبوك- يحقق له ذلك..
لكن، وكما أن للفيسبوك القليل من المزايا، فهو يحوي الكثير من الثقوب السوداء التي تجذب رواده إلى بؤر المساوئ والخطايا!
هو ببساطة عالم افتراضي، فراغ لا نهائي يتيح للجميع تفريغ طاقاتهم، السلبية منها والإيجابية، كما يستطيع الجميع إشباع صفاتهم وأهوائهم من هنا وهناك..
يعطي الفرصة -للبعض- ليعبر بالكلمات والتفاعلات عما لا يستطيع التعبير عنه في العالم الحقيقي، يقول ما يتمنى بالطريقة التي يتمناها.
لكن هناك من يحاول -بشتى الطرق- أن يكون محل الاهتمام، يجذب الآخرين إليه؛ ليلتفوا حوله، ويدورون في فلكه..
يبذل قصارى جهده للوصول إلى هدفه، قد يلجأ للاستظراف المبالغ فيه، الكتابة في الدين وذكر سيد المرسلين، الكتابة في السياسة والرياضة، ادعاء العلم ومن ثم النصح والإرشاد، قد يأتي بفقرات جاهزة من هنا وهناك وينسبها لنفسه..
حتى أنه قد يتحول إلى الميكس وكل شيء والعكس.
وتكمن الخطورة عندما يتطور الأمر -مع البعض- لأكثر من ذلك، عندما يستدرجهم الفيسبوك لاستخراج المكنون والتعبير عن الذات..
يستدرجهم للتعبير عما يرون أنهم يستحقونه -من وجهة نظرهم- وليس الحقيقة! تظهر انحرافاتهم النفسية وعقدهم، أشياء -ربما- لا يجرؤن على مناقشتها مع أنفسهم لقلة حيلتهم وواقع حياتهم، لكنها تبقى منزوية بداخلهم تنتظر الفرصة، البيئة المواتية للظهور والإعلان عن نفسها..
ومنها الغرور والنرجسية؛ فيعمد إلى صناعة الدراويش، أولئك المجذوبون المنجذبون إليه، يتحكم بهم، يعيشون في ظله، يمجدونه، يغذون الغرور والنرجسية المنزويين خلف الأقنعة.
أما الطامة الكبرى، حين يحاول صاحب موهبة حقيقية -من أصحاب تلك الانحرافات النفسية- تطوير الأمر، محاولا الخلط بين العالمين الواقعي والافتراضي؛ فيعمد إلى المكسب المادي، كأن يفتتح دارًا للنشر..
تخيل واحدًا مثل هذا بنكهة روائي أو شاعر موهوب، وما يمكنه أن يفعل! سيتاجر بأحلام الدراويش أيما تجارة..
أما أنت فسيعدك غرورا، يصنع لك حلمًا داخل العالم الافتراضي، ويزين لك الدخول من باب الأوهام لتصل إلى النجاح في واقع الحياة! وعندما تؤثر الابتعاد عنه؛ لأنك لست درويشا ولا تهدف إلى صنع الدراويش، ينقلك إلى خانة الأعداء، فأنت من وجهة نظره -لا محالة- درويش، إن لم تدر في فلكه ستدور في فلك منافسه..
قد ينسى سبب العداوة بينه وبينك، لكنه سيظل أبد الدهر يذكرك بالسوء، حتى بعد مرور السنين، ستصبح حلقة في سلسلة أعدائه..
سيعمد إلى تشويه صورتك بين دراويشه الذين يقومون بمهمتهم المقدسة -دون تفكير- بنشر كلمته عنك في ربوع الفيسبوك، يعتبرونك عدوهم، كيف لا وأنت عدو لكبيرهم! حتى أنهم قد يورثون عداوتك درويشا بعد درويش.
تستطيع أن تتعرف على مثل هؤلاء من سيماهم، عند ذكر منافس له -على سبيل المثال- بالخير، أو عند اختلافك معه -وإن كنت على حق- حول الأمور المادية، ستبرز مخالبه وتنمو أنيابه ويسيل الزبد من شدقيه، لا تكاد تميز له كلمه من شدة عوائه..
مثل هؤلاء يسقطون وإن عظمت مواهبهم؛ لن تتسع ذاكرتهم لتحوي كل كذبهم، سيظهر مدى انحيازهم لأنفسهم، سيظهر -كذلك- مدى انحيازهم لدراويشهم وإن بدا غيرهم أكثر استحقاقا..
بمرور الوقت سيتعرى جزء منهم بعد جزء أمام الدراويش، كلما طلبوا منهم التطبيل والرقص..
والأهم، ستذبل موهبتهم؛ لأن الموهبة تحتاج الصفاء لتتلقى الإبداع وتعبر عنه بطريقة طبيعية وليست مصطنعة.
Discussion about this post