فايز قزق احد اعمدة الفن السوري والعالمي ..
بقلم : سلمى صوفاناتي
اطبق الصمت على صدري عدة ايام .. لم اكن اعرف ان وراء تلك الخشبة الصغيرة مجموعة من الخفايا والاسرار .. تتيح لنا العيش في عالم اخر .. عالم يتجاوز حدود الزمان والامكان .. تجعل الحركات بلا وعي .. في حين ان خطوة واحده .. تتطلب تحريك كمية من العضلات .. ومع ذلك فاننا نقوم بها من غير ان نعي بفضل الالية المهيمنة على اجسادنا ..
في لحظة ما كنت احس بعدم قدرتي على التعبير عن تلك الحالة .. كان هناك عجز وانا بحاجة ان اتكلم وان اطرح اشياء كثيرة .. اريد قولها بوعي واستنارة ذهن .. وبقيت اياما لا استطيع ايجاد اللهجة المناسبة عما كان يجول بخاطري .. ولكنني عدلت عن ذلك ..
اطلت النظر في هاتفي المحمول .. وكان وجهي قد اعتكر بالغضب ..
قلت في نفسي : لماذا الان يتوقف هاتفي عن العمل ؟! ويخالف دورة الحياة وانا احاور احد ابرز اعمده الفن في الوطن العربي وخارجه .. تعطلت جميع التطبيقات والمحادثات في ذلك الجهاز الصغير .. وكنت قد قمت بتسجيل حوار تلك الايقونة النادرة عليه .. وكم كانت صدمتي بالغة حين اجمع الجميع ان ذلك المحمول اللعين يحتاج الى مايسمى ( سوفت وير ) حتى يعاود الى الانطلاق من جديد ..
ماذاعلي ان افعل الان ؟!
وقد فقدت احد اهم حواراتي مع عملاق كبير لايكرره الزمان .. تلعثمت واصبت بحالة لا احسد عليها .. وخشيت ان عدت اليه لاطلب منه حوار اخر .. ان اعود خاوية اليدين مدججة بالخيبة والخذلان .. اخذت ابحث وابحث عن وسيلة ما لاستعادة حواري المفقود .. وبصعوبة بالغة تمكن احد الاصدقاء المقربين من استعادة تلك التسجيلات بعد مضي عدة ايام .. انحبس فيها صوتي مكتنزا شكواي ..
واخيرا : انقشعت تلك الغمة .. تلك الظلمة الكالحة التي مزقت اوصالي وكادت ان تخنقني .. وانتهى ذلك الحلم المزعج وعاد حوار الدكتور فايز قزق بعد جهد جهيد .. ليعيد النور الى صدري .. لعمري اني خشيت ان اكلمه عن واقع الحال .. تبلكمت .. التزمت الصمت عدة ايام الى ان اذن الله تعالى ان استعيد ذلك الحوار .. وانهي ماساتي هذه .. عادت الحياة مجددا الى هاتفي المحمول .. وانطوت صفحة الخذلان .. عاد ماء وجهي .. وانا لا اجد عبارة تناسب الاعتذار عن وضع معين كان خارج ارادتي .. وموقف محرج تعدى حدود المكان والامكان ..
الا انني اعي تماما ان ذلك العملاق الكبير يمتلك من سعه الصدر ورجاحة العقل مايمكنه من تجاوز اي موقف طارئ .. اقف امام هذه القامة وارفع له القبعه حانية راسي .. ذلك النجم الكبير .. الذي قدم للمسرح والسينما والتلفزيون اروع واجمل الاعمال .. وقف امام خشبة المسرح وقفه احترافية تجاوزت الاربعين عاما .. وفي المعهد العالي للفنون المسرحية كان الاب والمدرس المحبوب لكل الطلبة والخريجين .. عزمت ان انقل حقيقة المجريات بكل مصداقية وشفافية .. وارتايت انه ليس من الضرورة ان تكون مقدمة حواري في التعريف عن معرف .. فجميع اعماله في عالم السينما والمسرح والتلفزيون .. تناقلتها جميع وسائل الاعلام .. المقروئة والمسموعة والمرئية .. كفاني فخرا اني احاور اكاديميا اتسم باللباقة والحنكة والذوق الرفيع .. يمتلك قلبا رحيما يتجاوز المواقف بعقلانية وتدبر ملحوظ ..
دعونا ندخل في صلب الحوار .. اردت ان انقل لمحة عن واقع الدراما والمسرح بشكل عام على لسان تلك التحفة والايقونة المتفردة ..
يقول الدكتور قزق :
– في الحقيقة : لا اريد ان اطرح نفسي كناقد درامي بالمعنى التلفزيوني .. فذلك اختصاص ويجري البحث فيه وله علاقة بعلوم الاجتماع وعلوم النفس ، علوم وفنون التمثيل ، علوم وفنون الاخراج السينمائي .. تلك التي انتقلت الى التلفزيونات وبدات تصدر عشرات مخرجي التلفزيون .. لا استطيع ان افي كل ذلك الامر بوصفي لست متخصصا فيه .. لكن هناك موجات من الموضة التلفزيونية .. ففي شبابنا كنا نستمع ونعرف مايسمى بالدراما البدوية ثم جاءت الدراما التاريخية .. ثم الفنتازية ..
ثم عادت التاريخية ثانية ثم المودرن ثم المشتركة السورية .. العراقية .. المصرية .. الخ .. كل هذه الاشياء لها علاقة بالاعلام بصورة خاصة يستخدم وينهل من مناهل ثقافية كانت بالاساس بمعنى السينما بمعنى النص المكتوب .. بمعنى التمثيل .. بمعنى الاخراج .. كل ماقدم في السينما وفي المسرح خلال القرن العشرين .. ثم الاستفادة منه لانشاء وتكوين هذه الشبكه الهائلة على مستوى الارض .. وتشتيت جمع الناس في بيوتهم من المسارح والسينما والدور الثقافية والاماكن التي تقدم الموسيقا وفي الرواية والقصة القصيرة والشعر الى بيوتهم .. ومشاهده هناك ما يتم ترتيبه على مستوى المادة التلفزيونية الاعلامية ..
اذا نحن امام جزء من الاعلام العالمي .. قد يكون لدينا فضائيات ممتلكة من بعض الناس في هذا الوطن العربي .. قد يكون هناك منصات حكومية وغير حكومية لكنها في النهاية اليوم وعبر شبكة الانترنت تصبح بقبضة الصانع للاقمار الصناعية وصانع لهذه الصواريخ التي ترسل الى الاعلى .. وماتعطينا اياه تلك الشبكه تستثمر فينا .. لا اود ان امشي في هذا الموضوع لانه معقد وشائك ..
لكن اقول انني في لحظات كنت دائما حريصا على اقتناص الفرصة المناسبة لتقديم الجسد الذي كونته في المسرح لابراز ميزات هذا الصوت المسرحي الذي يمكن ان يكون بطريقة ملونه منوعة متخالفة بين هذه الشخصية او تلك مما يقدم في المسرح .. فلو نظرنا الى جسد عبد الملك بن مروان في الحجاج .. يختلف بالمطلق عن جسد الحسن بن علي الصباح في مسلسل عمر الخيام .. يختلفان في الصيغة النفسية عن شخصية حنظلة في شهرزاد ..او عن شخصية عساف في ضبوا الشناتي ..
اذا هذه الشخصيات تقدم ما يمكن تسميته بالتراث المسرحي الذي كان لي .. وهو تراث نزاع دوما ان يتعاون مع الكلمة بصوره ابداعية مع الجسد ومع مسارب الحس فيها ومشاعري انا كانسان وتقديمها على المسرح بصورة خلاقة مبدعة .. كل هذا التراث حاولت الاستفادة منه لذلك انا انظر الى هذا التلفزيون بانه فرصة لتقديم الممثل بطرق متنوعه كما كانت في المسارح وكما كانت بالتاكيد في السينما في لحظات معينة .. فعامر في خارج التغطية ( فيلم سينمائي ) مختلف عن اسماعيل في رسائل شفهية ..
وكلاهما لنفس المخرج الاستاذ عبد اللطيف الحميد .. صورة مامون بك مختلفة تماما عن صورة الدكتور اندريه في تقاسيم على العنبر .. وهي مسرحية قدمنا بعام 1994 ماخوذة عن عنبر رقم 6 لتشايخوف اخراجا وتمثيلا .. هذا البحر المتكرر خلق حالة ابداعية وتجربة في المسارح امام الجمهور مباشرة .. في السينما .. مع الجمهور .. وعبر هذه الشاشة ..
ومع هذه المادة الاعلامية التلفزيونية .. احاول دائما ان يكون لي الحضور المعتمد في التعامل مع الجسد والحس والصوت والفكرة والتامل بمعنى الملكات الابداعية المهمة التي قد يسمح باستخدامها وقت لايسمح احيانا باستخدامها في افكار وخيالات وتاملات .. في تقاطعات ذات طابع استنتاجي بمعنى ان تتقاطع فكرتي مع فكرتك كمخرجة او كممثلة او ككاتبة .. كل هذه الاشياء واشياء اخرى كنت ابحث فيها ليس فقط من خلال الكتب بل بصورة تطبيقية عبر المعهد العالي للفنون المسرحية ..
عبر المسارح في سوريا وخارجها .. وعبر مئات الاشخاص اللذين التقيتهم في المواقع الثقافية في هذا العالم .. هذا كله منتوج احاول ان اقدم ما استطعت في هذه الاعمال التلفزيونية وفي عالم المسرح والسينما الذي يعتبر اجتماعا حرا يدخل الناس الى السينما دون ان يسالون عن جنسهم او هوايتهم ولا عن طوائفهم ولا مذاهبهم ولا عن افكارهم الاديلوجية السياسية ولا ان كان ذكرا او انثى .. الخ ..
التفكير الجماعي الذي لاتحكمه انظمة معينة يترقى ويرقى مع الممثلين اللذين يقفون على خشبة المسرح او الصالة فهم يدركون انهم سيقفون امام فكرة معينه قدمت نبض سياسي او اخلاقي او ديني او سياسي او اقتصادي .. لكنه يقدم في صيغة جمالية فيها الكلمة واللون وفيها الموسيقا والشعر وفيها الاقى وهو الانسان الذي يود ان يطرح بصدق مشاكل من هذا العالم بطريقة او باخرى .. بشكل او باخر .. وفق نظرية او اخرى .. اذا المسألة هنا تتعلق بان هذا الاجتماع الحر تم القضاء عليه وباتت البشرية في اجتماعات مغتصبة اما في المعابد او في مجمعات كرة القدم ..من هناك تفرغ او تقمع لسانا وعينا وبصيرة ودماغا .. تم احتلالها بالف مفهوم ومفهوم بعيدا عن امكانية ان يكونوا قادرين على التفكير او التصرف او الادلاء بالراي في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية
Discussion about this post