من الفكر الى القلب وحوار مع المفكر السياسي السوري…. بكور عاروب.
بقلم : سلمى صوفاناتي
ضيفنا في هذا اليوم ناقد تاملي محكوم بقواعد المنطق والتحليل .. كل هذا نتاج لمظاهر معرفية متعددة مثل بناء الفرضيات والتفسيرات وتقويم المناقشات .. والقدرة على الاستنباط والاستنتاج .. وهو اسلوب يتسم بالتجريد والوضوح والعقلانية .. ومن اهم صفاته الحياد .. اي التحقق النزيه من البيانات والحقائق والادلة دون التاثر بذاتية الباحث وعواطفه ومعتقده بهدف الوصول الى نتائج مبرهنة .. يمتلك القدرة على التعامل مع الادلة المتوفرة من مصادر متعددة وتقييمها والنظر الى نوعها ونوعيتها .. جمع بين انواع الفنون المختلفة فكان الشاعر والاديب .. الموسيقي والفنان .. اضافة الى مشواره السياسي المشرف .. انه مفخرة لكل من يعرفه .. بكور عاروب .. المنسق السوري لبحوث الراي العام ..
اما عن مسيرة حياته الذاخرة بالعطاء يحدثنا سيادته :
– منذ وعيي على الحياة .. كنت افكر في عدة قضايا جوهرية .. تتضمن ربما ماهي مهنه المستقبل ؟
كيف سيكون مكانك في المجتمع .. نظام الاداء الوظيفي او الحياتي .. المكانة .. السلطة .. المال .. كل هذه القضايا المعشوقة .. الانسان يرسم صورا لها من وعي الحياة .. تراتيب الحب عند الطفل تكون اكثر صدقية في هذه الحياة .. سواء كان حب الوطن او حب الاشخاص المحيطيين فيه او حتى تلك الغرائز الطفولية التي تتحرك في خلفية حياته وشعوره .. لكن القضية الاهم التي كانت تشغلني عندما ارى الناس يموتون ويرحلون دون اثر .. نودعهم بعد ان يهال التراب على قبورهم .. وكان
السؤال : كيف استطيع ان اعيش اكثر واطول في الحقيقة ؟
بالنسبة للمال .. فقد شاهدت افلاس الكثيرين في طفولتي وفي مراحلي اللاحقة وشاهدت رحيل عدد كبير من اصحاب السلطة من بينهم والدي الذي كان عضوا في مجلس الشعب السوري .. ورئيسا لجمعية الصداقة العربية الالمانية ونائبا لاتحاد الفلاحين في سوريا ومؤسسا له وايضا عضوا في مجلس الامة الاتحادي بين سوريا ومصر وليبيا ..
كنت اقرا بحزن بعد رحيل والدي كيف كتب في مذكراته عن فرحه في يوم الوحدة السورية المصرية .. وكم كان حزينا لتحطم العديد من الاحلام السياسية التي ناضل من اجلها ودخل المعتقلات من اجلها .. مجمل هذه النتائج والتجارب ورحيله مبكرا عام 1972 وانا بعمر 4 سنوات . دفعني الاتجاه ان اميل للقراءة الكثيرة وخصوصا في كتب ابي ومذكراته وماكانت تحتويه مكتبته .. ايضا رحيل امي المبكر وانا في سن الخامسة والعشرين جعلني ادرك تماما قيم المجد الحقيقية هي بقدر مايطول ويستمر ويرسخ في حياة الناس .. افكارك .. فالخطط والاعمال تنتهي والافكار تبقى محركا للاجيال اللاحقة فبقدر ماتقدم من افكار قادر على التاثير .. بقدر ماتكون صاحب عمر طويل يتجاوز حالة الموت
التقليدية ورحيل الاجساد .. من هنا كان التضامن بحالة الكتاب .. واذكر اني ببذق الحلم والفتوة قررت في صف الثاني الثانوي ان اقرا 365 كتابة على عدد ايام السنة .. وفعلتها .. فكنت اقرا بعض الاحيان كتبا صغيرة واحيانا كتبا كبيرة في عدة ايام .. وهذا ماولد عندي حالة ادمان على القراءة .. ولكن هو ادمان ايجابي بالتاكيد ولم اكتشف اني كنت اتناول دواء جميلا يمتص كل الطاقات السلبية في ذاتي .. الا بعد فترة طويلة لانني كنت اجد مع تزايد ضغوط الحياة ان القراءة كانت نقلة الى عالم اخر يشعرك بالسعادة ويضعك مع اشخاص وجغرافيا بعيدا عن جغرافية الالم والضغط والاكراه الذي نعيشه بل وحتى احيانا بعيدا عن ضغط الفرح المجلي الذي يتحول احيانا الى حالة متعبة وتكون في حاجة لتستقيل منه .. كفرح الاسرة وفرح اللعب .. وفرح السفر وفرح الرقص وايضا فرح الانتصار لنجاح او قضية تتعرض لها .. عموما
مراحلي الدراسية الاولى بدات في انتقالي من دمشق الى حلب وانا من مواليد مدينة دمشق .. في عمر الاربع سنوات بعد وفاة والدي انتقلنا الى حلب في مدينة الاتارب ومرت الدراسة الاولى والمتوسطة والثانوية في المدينة .. ثم تخرجت من المعهد الطبي قسم التحليل ..
وايضا تابعت ودرست اللغة الانكليزية وادابها ونلت الاجازة فيها .. ودبلوم في الترجمة والتعريب عام 1995 لكن علاقتي مع التعليم لم تنقطع فدرست دبلوم دراسات تربوية 2005 عبر الجامعة السورية الافتراضية .. وخلال وجودي خارج القطر في تركيا تابعت دراستي ايضا فدرست الماجستير والدكتوراه.. حصلت على دكتوراه في ادارة الاعمال .. ولكني لا اعترف بالدكتورا لان الدراسة تمت وتم اختطافي من قبل المخابرات التركية ورفضت حمل السلاح ضد الوطن او اي معارضة هدامة يضاف الى ذلك اني التحقت بدورة عليا لتدريب مدربي الموارد البشرية بحكم عملي بعد ان كنت مترجما في شركة كابلات حلب ثم مدرسا ثم مدير ثانوية ثم رئيسا لدائرة الاعداد والتدريب في محافظة حلب وكنت ايضا تابعت دورة في الاخراج السينمائي من قبل زياده المعرفة ليس اكثر حيث ان الفن السينمائي تجاوز حالة المسرح والدراما التلفزيونية واصبح من اهم الوسائل الثقافية التي تستطيع ان تحدث تغييرا في المجتمع حيث انها تستطيع ان تستوعب ايضا الحالة النصية للثقافة من شعر ورواية وقصة .. وايضا الفنون التشكيلية بمختلف اصنافها وكذلك المسرح .. وانما عبر وسائل احدث .. قبل ان اكون مدرسا لم تكن فرص العمل موفرة لخريج جامعي مثلي فجمعت القليل من المال وافتتحت حانوت صغير لكنه كان كافيا لاعالة اسرتي وفيما بعد تحولت الى حالة جيدة وقبل الازمة السورية ايضا كان لدي محل متوسط بتجارة الادوات المنزلية وكان اصدقائي يعترضون .. رجل بثقافتك .. ماله وللتجارة ..؟! فكنت اجيبهم ليس الربح هو قصدي الاساسي بقدر مايمنحني شعورا بالثقة في عملي الوظيفي كي لا اكون جبانا في المسؤولية وايضا هو وسيلة تربوية لتعليم اولادي كيفية التواصل مع المجتمع .. جاءت الازمة لتدمر كل شيء .. اصابنا ما اصاب السوريون جميعا .. حتى اقدم المسلحون الارهاب الاخواني النجس بحرق مكتبتي ومنزلي .. المكتبة التي كانت تحوي ثلاث الاف كتاب من بينها عدد من المخطوطات وزجاجات العطر .. حيث كانت لي هواية فانا لا اشتري عطري وانما اصنعه منذ اكثر من اربعين سنة .. فقد قرات قولا لعمر بن الخطاب : (لولا الخلافة لامتهنت مهنة الطيب )
وانا كان عملي ثقافي فاحببت ان تكون لي هذه الهواية وكنت استمتع بصنع العطر فانا عندما امل اشعر بضغط الفكر ..اقوم بصنع العطر وارسم او ادندن على الغيتار وكنت اتمنى ان ان يكون لدى صوت جميل يساعدني اكثر تجربة الاختطاف التركي كانت من اشد مالقيت فقد بقية لمدة ثلاثمئة يوم في معتقل انفرادي لايعلم بي احد ولم اسمع خلالها او قابل سوى المحققين والحراس الملثمين وكتب وكتبت وقتها بما توفر لدي من اوراق واقلام عدة كتب وساعدتني تلك الفترة على استكمال حفظ القران واجراء مراجعة فكرة عامة لكل مامر بي من خطف .. اثناء نقلي الى مكان تنفيذ الاعدام بعد تسليمي للارهابيين على الحدود التركية السورية وقبل ايام من تنفيذ هذا الحكم استطعت النجاة والهرب وكان قصدي دمشق ثم فيما بعد ذلك تابعت عملي منسقا للمركز السوري للبحوث العلمية وتفرغت للكتابة والفكر .. طبيعة عملي الحالي مكنتني من التفرغ لمتابعة المشهد الثقافي السوري والمشاركة في اغلب الفعاليات حضورا او مشاركة فانا اعتبر ان حضور المثقف لنشاطات الاخرين هو متكئ ابداعي يعطيه الكثير من الافكار ليكتب بشكل افضل واجمل يساعده على تجاوز الاخطاء التي يراها عند الاخرين .. اكتب الشعر منذ فترة طويلة وانا كاتب في مجلة طنجة الادبية وموقع ديوان العرب ومؤسسة الثقافة الفلسطينية وعضو في اتحاد الكتاب الادباء الفلسطينين بصفة داعم ..عملت ضابط ارتباط دولي بمافي مرتفعات الجولان مع قوات الاندوف .. مارست التحليل السياسي من خلال الفترة الماضية وبعض المواد الفكرية والثقافية منشورة في مجلة الفيصل السعودية ولكن افضل ان اكون مقلا بالظهور الاعلامي فانا اعتبر ان كثرة الظهور الاعلامي على الشاشات هي حالة تمييع وتضييع للشخصية المفكرة ..
لدي فكرة اساسية انا مؤمن بها رغم نشري لعدد كثير من المواد في الوسائل الاعلامية ان الكتابة يجب ان تكون امانة .. فانا دائما اقول في لقائاتي الثقافية وفي مداخلاتي للجموع .. ان الكلمة عندما تقال فهي مسؤولية وعندما تطبع تصبح وثيقة .. فلا تترك فرصة للاخرين باتهامك في التقصير .. قد قد ياتي هذا الامر ايضا من ان الله سيمنحني الوقت الكافي لاقدم عصارة تجربتي خلال السنوات القادمة ..
فعندما كتبت في معتقلي وهربت بكتبي .. كنت ارسلت رسالة الى اولادي ولم اكن احسب اني من الناجين .. انه اذا وصلتكم اوراقي التي كتبتها وهذه الكتب التي كتبتها في المعتقل فلا تنشروها لانه ياولدي مامن فكر يكتب في اطار ردة الفعل الا جاء متطرفا .. ولو بنسبة ما .. ورغم منخجية الروح التي املكها كنت مصرا على عدم نشر رده الفعل .. فالفكر يجب ان يكون صانعا للحياة وتحت شمس الحرية وانا تحت شمس الحرية التي وهبني الله واراجع هذه الكتب التي قمت بتاليفها لاقوم بنشرها في الوقت المناسب ..
الفكر المنهجي هو مانحتاجه تماما في حياتنا وليس الفكر الادعائي والتسويقي الذي اعتدنا عليه في المراحل الماضية في حياتنا في عموم الوطن العربي ..
انا لا احبذ استعجال الكثير من الشباب والمثقفين في نشر ابداعاتهم .. فالنص الكبير من يصنع كاتبا كبيرا
وقد يكفيك نص واحد او قصيدة واحدة لتجعلك شاعرا يتجاوز التاريخ وقد يكون هناك عدد كبير من المجموعات الشعرية دون اثر .. قصة واحدة لفريزنسين اوعبارة من عبارات دوستيكسي او غوتن ) كانت كفيلة بان تجعل هؤلاء بما هم عليه من المكانة .. فنحن بالنهاية وانا شخصيا لا اطمع الا ان تحفظ الاجيال عني ابياتا او سطرين ويقال : ( كتبها رجل محب )
Discussion about this post