اللغة والمجتمع،،، بحث موثق بالمصادر والمراجع
أيمن دراوشة
أولاً: أهمية اللغة في المجتمع:
تعد اللغة ظاهرة اجتماعية اقتضتها حياة البشر ، وقد منح الله تعالى الإنسان قوة العقل والاستعداد للتفاهم والكلام . واللغة أهم مظهر لوجود الجماعة والمحافظة على كيانها وهي عنصر ضروري لبقاء وتماسك وحدات المجتمع .
” فاللغة إذن ظاهرة اجتماعية وهي بوصفها هذا تؤلف موضوعاً من موضوعات علم الاجتماع”(1)
وبذلك يبدو أن رأي علماء المجتمع بتعريفها تعريفاً يتناسب مع وظيفتها في المجتمع هو ما تُعرف به اللغة عند الأقدمين من علماء العربية وهو أن اللغة ……… ” أصوات يُعبِّر بها كل قوم عن أغراضهم “(2)
ولم يكن يُدرك قديماً ما للغة من صلات بالمجتمع الذي تعيش فيه ، أو يُعَدَّلُ من طرائقها ثم دُرِس على هذا الأساس فترة من الزمن بعد تقدُّم العلوم الإنسانية وإدراك حقائق الظواهر الاجتماعية ، ثم لوحظ أن اللغة ترتبط بالجماعات الناطقة بها ، ويمكن أن يُهتدى على إثر هذا الإدراك إلى معرفة خصائص الجماعات البشرية من دراستنا اللغات وتاريخها وتطورها .
والحقيقة أن اللغة في عمومها ذات وظيفة هامة جداًّ ، يمكن أن تُلخَّص في أمرين :
1- أمر فردي : هو قضاء حاجة الفرد في المجتمع .
2- أمر اجتماعي خالص : هو تهيئة الوضع المناسب لتكوين مجتمع وحياة اجتماعية ، فأما بالنسبة للشق الأول من وظيفة اللغة فواضح أن طبيعة التخصيص تبدو في وظيفة كل فرد بحيث لا يمكن أن يكون خبَّازاً ونَّساجاً وحدَّاداً وصيَّاداً في وقت واحد.
ومن هنا كان على الفرد أن يعتمد في أموره على غيره من أصحاب هذه المهن وأن يتصل بهم ؛ لقضاء حاجاته ولا سبيل إلى هذا الاتصال ، ولا إلى قضاء الحاجات إلا بواسطة التفاهم ولا بد للتفاهم من لغة .
وأما الشق الثاني من وظيفة اللغة : هو تهيئة الوضع المناسب لتكوين مجتمع وحياة اجتماعية فإن اللغة أصل وجذر لكل ما يمكن أن نتصوره من عوامل تكوين المجتمع ، كالتاريخ المشترك والدين المشترك والأدب المشترك …..
إذْ لا يقوم شيء من ذلك بدون اللغة وكيف يمكن تَصوُّر تاريخ بلا لغة أو دين بلا لغة أو فكر بدونها أو إحساس لا يترجم عنه بها ، إن الشركة في كل أولئك هي الحياة الاجتماعية ولا تتم هذه الشركة بدون اللغة .(3)
ثانياً : أثر اللغة في حياة الفرد والمجتمع :
للغة أثرٌ فعَّال في حياة الفرد ، فهي بالنسبة لــــه وسيلة الاتصال بغيره ، وعن طريق اتصاله بغيره يدرك الفرد أغراضه ويحصل على رغباته ، كما أنها وسيلته التي يُعبِّر بها عن آماله وآلامه وعواطفه ، واللغة تهيِّئ للفرد فرصا كثيرة للانتفاع بأوقات فراغه ، وذلك عن طريق القراءة والمطالعة والاستمتاع بالمقروء ، فيغذِّي الفرد بذلك عواطفه ، وهي أداته التي يقنع بها الفرد غيره في مجالات المناظرة والمناقشة ..، كما أنها أداته التي ينصح بها الآخرين ويرشدهم وينشر بواسطتها المبادئ بينهم ويؤثر فيهم .(4)
واللغة بالنسبة للمجتمع وسيلة اجتماعية وأداة تفاهم وتعاون ، يستعملها المجتمع في أغراض شتى ، في الخطب والإذاعة والشعر والمقالات والصلاة والدعاء ….. واللغة فوق ذلك كله من عوامل الوحدة السياسية للجماعات ، فالجماعة مهما اختلفت في الدين أو الجنس أو البيئة ، فإنْ كانت لغتها واحدة تظل متماسكة متحدة.(5)
كما أنَّ اللغة تحفظ تراث المجتمع الثقافي والحضاري وتنقله عبر الأزمان من جيل إلى جيل ، كما أنها رمز المجتمع تدل عليه وتعكس صورته الثقافية والأخلاقية وصفاته المختلفة فالألفاظ بدلالاتها تدل على مستوى المجتمع.
ثالثاً: اللغة والجنس :
رأى بعض الباحثين أن اللغة تختلف من حيث بنيتها ونظمها، ومجاراتها للحياة والأحداث ، باختلاف الناطقين بها من الشعوب حسب طبيعتهم ، فلغات مجعّدي الشعر تختلف عن لغات مُلَّس الشعر ، ولغات مستطيلي الرؤوس غير لغات مستديري الرؤوس .(6)
وارتبط ذلك بالحديث عن طبيعة اللغات المختلفة –على حد تعبيرهم – فهي تعجز عن التعبير عن المعاني الكلية ، وتفتقد إلى الحيوية ، وهي لغات قاصرة عن التعبير عن متطلبات الحياة الراقية ولا يمكن لها في أي وقت أن تتطور إلى الحد الذي وصلت له اللغات الأوربية الراقية .(7)
يقول محمود السعران “لقد أغرى بعض اللغويين بإيجاد روابط بين اللغة والجنس ، واستغلت بعض المذاهب السياسية التعصب للجنس والزهو بلغته واتخذتها ذريعة لفرض سلطانها على شعوب تنتمي إلى أجناس أدنى من لغتهم فالعالم فردريك موللر قد أنشأ كتابه على أساس من هذه الفكرة ، فصنف اللغات طبقا للميزات الإتنولوجية ، فاستعرض لغات الشعوب المجعّدة الشعر واحدة فواحدة ، ثم لغات الشعوب الناعمة الشعر.”(😎
والحق أنه لا علاقة ضرورية بين المميزات الجنسية كلون الشعر وتجعده أو نعومته ، ولون العينين وهيئتهما ، ولون البشرة ، وشكل الرأس ، وما إلى ذلك وبين قدرة الناس على التفكير ، أو على تعلم لغة من اللغات ومن الأدلة القريبة الحاكمة بفساد هذا الربط بين اللغة والجنس أن من اللغات ما يستفيض حتى يكون لغات جماعات تنتمي إلى أجناس مختلفة ، وهذه الجماعات على اختلافها في الجنس تجيدها ولا تأنس مشقة في تعلمها ، وذلك شأن الإنجليزية والعربية مثلا . والزنجي والإفريقي الذي يُربَّى منذ طفولته الباكرة في إنجلترا في ظروف واحدة مع الأطفال الإنجليز يتكلم الإنجليزية كما يتكلمها أبناؤها .(9)
وعلماء الإنثروبولوجيا يعثرون على جماجم بشرية يحددون أنواعها ، المستدير والمستطيل لكنهم بلا شك عاجزون عن معرفة لغات أصحابها.
أما الحديث عن اللغات المختلفة واللغات الراقية فهو غير موضوعي ، فاللغات التي تتسم بسمات (بدائية ) يمكن أن تتحول إلى راقية لو انفتح المجال أمامها ، وأتيحت لها ظروف التغير تبعاً للتحولات الاجتماعية .
رابعاً :اللغة والمكان والزمان :
للمكان أثره في اللغة فقد لاحظ اللغويون أن لغة سكان الصحراء تختلف عن لغات سكان المناطق الأخرى من سهول ، وأراض ٍ زراعية ومدن صناعية . فلغة الصحراويين خشنة الألفاظ ، غليظة الأصوات ، فالصحراوي يحتاج إلى صوت مرتفع غليظ يسمع في الفراغ الذي أمامه ، ويصل إلى ما يريد من أماكن وليست الآية الكريمة الرابعة من سورة
Discussion about this post