القِيم الأخلاقية الدكتوره بهية الطشم.
بقلم الدكتورة : بهية الطشم
– تقد يم:
تكاد تكون القِيم الأخلاقية محوراً للحياة نفسها ,فالأخلاق بحسب أرسطو هي:” الكل الذي يحصّل الحقيقة الأعم والأكثر انسانية”.(1)
ولأنّ البحث في الأكسيولوجيا (Axiologie)ينطوي على مساحات شاسعة من التفاصيل كعالم مونادولوجيا لايبنتز.لذا,فالغاية هي المرور من وجهات النظر المختلفة وصولاً الى النظرة الشاملة الكلية.
وبعبارة أرسطية:”الانتقال ممّا يتعلق بنا” الى “ما هو بذاته”,وبعبارة هوسرلية” البينذاتية” l’intersubjectivite’.
حيث تناضل هذه الأكسيولوجيا ضدّ الفساد المجتمعي والانحلال الأخلاقي ويتجلى ذلك كما تقول القاعدة البندكتية ترابط الجماعة الانسانية في تعاطف متولد,يقف في وجه تقسيم الانسان الى ذرات.
ذلك أنّ الحقيقة لا تذلّ أبداً ,وتسير في طريق مُضادٍ للظن ,انّما المذلّ هو الارادة الظالمة للانحطاط ,لذا فنحن بأمس الحاجة الى أكسيولوجيا ذاتية أولاً,وتطبيق النقد الذاتي auto-critique لتعميم الأكسيولوجيا في المجتمع عموماً بهدف الحدّ من الشرور.
_______________________
(1)Aristote ,les grandes d’Ethique,la grande Morale,Paris,Arlea,1995,chapitre4,p 20.
2
ولطالما ارتبطت الاكسيولوجيا عموماً في جوهر”محبة الحكمة”,فعبر الحكمة تكون القِيم قيماً.
ذلك أنّ الثنائية بين الحكمة واللاحكمة تنسحب في كل شيء وفي سلسلة لامتناهية من الثنائيات اذا ما كان الصراع محتدماً بين الزِّيف والحقيقة.
وفي هذا السّياق جاء قول ديكارت:”ان الفضيلة وحدها كافية لجعلنا راضين في هذه الحياة…”(1)
وهنا نتساءل:”الى أي مدى تمثّل الحكمة محوراً للأكسيولوجيا؟
وبما أن النفس هي دليل الحياة,لذا فلا حياة حقيقية دون نفس حكيمة تستوثق اليقين بالاجمال,فالنفس بما هي قوة استعداد للانفعال بالشعور اذا ما انفعلت بفضيلة الحكمة ,والتي هي قيمة القيم أصبحت فاضلة ومتجاوزة كل خساسة ف “الحياة بلا فائدة موت مسبق” كما يعتبر غوته”(2).
كما أنّ تاريخ الاخلاق جميعها وعلى مرّ العصور هو صراع بين القيم,قيم الخير وقيم الشر,ولا يزال هذا النضال قائماً حتى اليوم.
ولأنّ قيمة الخير في زماننا لم تعد غير مجرّد احتمال وحسب ولأن ” ذرة من الشر كالقطرة الحارة التي تدمر صحة انسان كامل الصّحة ,وحبة الرمل الصغيرة التي تطفىء نور العبقرية…”3)كما اعتبر باسكال.
لذلك ,جاء بحثنا الدؤوب محاولة متواضعة للبحث عن قيمةٍ خيّرة في زمنٍ يندر فيه الخير.
ونتساءل:هل تُهدر قيمة الحياة ان لم تكن مرتبطة بالوجود الروحي؟
———————————————
(1) عبد الرحمن بدوي,الأخلاق النظرية,ط2,وكالة المطبوعات,الكويت,,1976,ص120.
(2) المصدر نفسه,ص133.
(3) توفيق الطويل,أسس الفلسفة,(مصدر سابق),ص 360.
3
– أولاً: التعريف الأتيمولوجي العام للقيمة:
تستخدم كلمة قيمة عادةً في مجال الاقتصاد,ويُقصَد بمعناها في هذا المجال:”السعر المقدّر للسلعة”.
ويوجد نوعان من القيم: 1. القِيم الاقتصادية أو المادية.
2.القِيم المعنوية:أ. القيم العقلية مثل قيمة كتاب.
ب. القيم الجمالية: مثل قيمة قطعة موسيقية.
ج. القيم الأخلاقية المتعلقة بالخيروالشر.
نبدأ أولاً في الاضاءة على أبرز التعريفات ازاء القيمة عموماً,ولأنّ القيمة تعرّف دائماً بحسب الرغبة,ويقول ريبو في هذا الصّدد:انّ قيمة الشيء هي قدرته على اثارة الرغبة,وانّ القيمة تتناسب مع قوة الرغبة..”.(1)
ويعرّف لوسن le senneفي هذا السياق القيمة قائلاً:”ما هوجدير بأن يُطلب.”(2)
وفي الاطار عينه يعتبر الاقتصادي المعروف شارل جيدcharles gide ذات اعتبار لوسن.
ولقد جعل روسو Rousseau “العبادة الرئيسية هي عبادة القلب,أي الشعور الباطن المتمثّل بالضمير,تلك الغريزة الالهية الحاكمة على الخير والشر.”(3)
فالعطف هو الذي يمنع الانسان من التوحش,ومن هذا العطف تنبثق كل الفضائل الاجتماعية,فالانسان ولد خيّراً بالطبع.
________________________
(1),(2) منير البعلبكي,موسوعة المورد العربية,ط29,بيروت,دار العلم للملايين,1995,ص76.
(3) عبد الرحمن بدوي,الأخلاق النظرية,(مصدر سابق),ص 95.
4
ولكن,أي تطّبع نشأ عليه صانع الارهاب؟؟
يمكن القول ,بأنّ القيم الأخلاقية هي قانون غائي يفترض تدرّجاً غائياً لعالم القيم ,والتي تضاد القوانين التي تنتهك الحقوق والكرامات الشخصية للانسان.
وفي السّياق ذاته,أشار آدم سمث في كتابه نظرية” العواطف الأخلاقية”(1759) بأنّ “التعاطف هو العنصر النهائي الذي يمكن أن تحلل اليه العواطف الأخلاقية”.(2)
وبحسب نيتشه Nietshe:”انّنا لوبحثنا في المدلول الاشتقاقي لكلمة خيّر في مختلف اللغات لوجدنا أنه مستمد دائماً في تطور واحد للأفكار ,وخلاصته أنّ “فكرة الامتياز والنبالة بالمعنى الاحتمالي هي الفكرة الأم التي تولّدت عنها فكرة الخيّر ,بمعنى متميّز أو ممتاز,من حيث النفس,وفي مقابل ذلك نجد أفكار سافل,منحط تتحوّل وتعطي فكرة الشرير” (2) ,وبالتالي ,خالق القيم هو مصدر التقويم.
ولعلّ التحليل الأهم في هذا السياق هو ما ساقه,أو ما بيّنه”ماكس شيلر,اذ يرى أنّ القيمة الأخلاقية مرتبطة بسلّم القيم hie’rarchie des valeurs, وبتحقيق كل واحد منها,ف”الفعل يكون خيّر اذا حقّق قيمة ايجابية,كذلك يكون خيّراً اذا منع من تحقيق قيمة سلبية,ويكون شريراً اذا اعترض تحقيق قيمة ايجابية أو عليا.”(3)
كما أنّ الخير يكون أكثر سمواً عندما يتقاسمه المشاركون فيه,وكلما زاد عدد المشاركين كلّما ارتقى أكثر فأكثر,ودون أن يقع – هو – فريسة التقليل والقسمة في مدى سمّوه.
_____________________________
(1)و(2) عبد الرحمن بدوي,الأخلاق النظرية,( مصدر سابق),ص 95.
(3) المصدر السابق نفسه,ص97.
5
وتبعاً لذلك,فانّ القيمة الأخلاقية نسبية نسبةً الى حاملها,كما أنها تعود عليه بعلاقة مزدوجة,بما أنه ذات فاعلة للفعل الأخلاقي في آنٍ معاً.
فالمعرفة تضع الموضوع في مواجهة الشعور,اذ لا يوجد شيء أو شعور الا وتلاحقه قيمة.انّها في كل مكان وغير مكان.
ويُقال عن القيمة الخيّرة أنّها خيّرة لأنها تبذل نفسها حالاً مع قيمتها,اذ تضع الخير في تجربة تأمليّة حيّة أمام نظرة التأمل ,فهي تشارك في التقويم الوجودي.
ولكن,أين مجتمعنا العربي – اليوم- من فضيلة الحكمة,وأمهات الفضائل الأربع :الحكمة,العفة, الشجاعة والعدالة؟ ولا سيّما فضيلة الحكمة؟
ولأنه لا بدّ أن توجد القيمة في حامل يحملها,كما الجمال في اللوحة الجميلة,والخير في النفس الخيّرة,لذا نستخلص من القِيم موضوعات سرمدية في ذاتها تتجرّد عن الملابسات المكانية والزمانية,فصفات القيم لا تتغير بتغير الأشياء ,تماماً كما نقول بأن سمة الديانة الاسلامية وقيمتها المتجلّية بالتسامح لا تتغير اذا ما أساء التكفيريون باسمها ,أو أساء اليها تجار الفتن في اصدار الرسوم المسيئة للرسول الكريم(ص),فالقيمة ماهية,وانها هي ما هي وشيء في ذاته وقيّمة بما فيها من قيمة.
6
– ثانياً:استقراء فلسفي موجز عن أبرز القيم الأخلاقية:
ولأنّ قواعد الأخلاق هي نتاج الحياة نفسها ,فانها لا بدّ أن تتلاءم معها,ودون أن ننساق الى تأليه المجتمع,فالمجتمع الأفضل يتحقق على نحو أفضل كل ما كان يستند على الامتحان الحُر الذي يجمع العقول على الحق.
ثمّ انّ الواقع الاجتماعي ليس مجرّد معطى محضاً,لأنّه في كل لحظة من تطوره ناتج عن ارادات متفاوتة الوعي,والهدف هو جمع العقول على مثل أعلى يكون واحداً للجميع.
على أنّ الاعتدال هو أهم خاصيّة للأكسيولوجيا الواجبة في المجتمع,ويمثّل التناسب العادل مع الكون,والذي يمكّن كل موجود من أن يكون ذاته ومالكاً لذاته.
وهذا ما يفسّر لنا قول كانط في كتابه “تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق”.” انّ الارادة الخيّرة هي الخير المطلق ومبدؤها ينبغي أن يكون أمراً مطلقاً هي غير محددة تجاه الموضوعات كلها,انّها لا تتضّمن الاّ صورة الارادة بوجه عام,أعني أنّ قابلية مبدأ كل ارادة خيّرة لأن يصبح قانوناً كلياً هو القانون الوحيد الذي تفرضه ارادة كل موجود عاقل على نفسها…”(1)
ذلك أنّ أمهات الفضائل : (الحكمة,العفة,الشجاعة والعدالة) تمثّل محور الفلسفة والأكسيولوجيا على حدٍ
_________________
(1) توفيق الطويل,أسس الفلسفة ,(مصدر سابق),ص 362.
7
سواء,وهي التي أطلقت الطاقة في التغيير في مصائر الانسان المتحضّر تدريجياً, اذ لا نكاد نجد شيئاً في
ثقافتنتا الدنيوية- اللهم الاّ آلاتنا- ليس مَديناً للحكمة وتفعيلها,ذلك أنّ الحكمة هي شرط التقدّم العملاق,والذي أهملها قبع في هامش التاريخ.
ونستحضر هنا باعجاب فكرةً بارزة وردت في الأسرار الأورفية في الفكر اليوناني وهي أن:” الانسان هو ملتقى الالهي والشيطاني…,وعليه أن يطهّر الالهي من الشيطاني ليلتحق بركب الكمال…”(1),حيث يحقق حُب الحكمة اتحاد ما تفرّق ويعطي ما كان مفقوداً.
اذاً ,تعيش الحكمة في كنف الفلسفة,وقد أبدعت الأخيرة عظيم الابداع ,وزودت البشرية بكنوزٍ لا تزال حتى يومنا هذا تحتفظ بكامل السموّ والتقدير,ذلك أنّ الحكمة هي لدن الفلسفة ومجمع الفضائل ,والفضيلة هي:”العلم بالخير,والرذيلة هي الجهل…”(2)
ويقول ديكارت في هذا الصّدد:”الفلسفة أشبه بشجرة جذورها الميتافيزيقا,وجذعها الفيزيقا,والفروع التي تخرج منها هي كل العلوم الأخرى التي تنتهي الى ثلاث علوم رئيسية: الطب,الميكانيكا والأخلاق.”(3)
والبارز أن أبرز الانجازات الفلسفية – الأكسيولوجية مهمة الى الحدّ الذي يجعلنا نحن- أبناء الربع الاول من القرن الواحد والعشرين ننظر اليها بشديد الاعجاب بعد مرور كل الحقبات الطويلة ,ذلك أنّها اختصّت بنصيب أكبر من البقاء والتأثير.
________________________________
(1),(2)حسين حرب,العقل اليوناني على دروب الحكمة,ط1,دار الفكر اللبناني,بيروت,1990,ص 47.
(3) توفيق الطويل,أسس الفلسفة,ط6,القاهرة,دار النهضة العربية,1976,ص77.
8
وتمثّل أبرز المؤلفات في هذا الصّدد “الجمهورية ” لأفلاطون,”المدينة الفاضلة” للفارابي,مقالة الطريقة لحُسن قيادة العقل” لديكارت,” تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق” لكنط…وغيرها في هذا الصّدد أهم الأنساق للفكر الفلسفي – الأكسيولوجي في هذا الصّدد,حيث يمثّلون جميعاً(الفلاسفة) ما أطلق عليه شوبنهاور “جمهورية العباقرة”.
وتعتبر هذه الانجازات الفكرية أكثر من مجرّد ثورة في نظرية المعرفة,وهي أكثر من نظرة أخلاقية الى العالم,ولكنها تمثّل أيضاً محطة أساسية في اعادة صياغة الفلسفة وتوسيع ميدانها.
وأدلّ دليل على ذلك ما ورد في صِيغ القانون المطلق الذي عرضه كانط,وتتضّمن الصيغة الثانية في هذا الاطار ما يلي:”افعل دائماً بحيث تعامل الانسانية ,في شخصك وفي شخص سواك على أنها غاية,وليس أبداً على أنها مجرد وسيلة.”(1)
اذاً,انّ ارادة الخير هي غاية الأفعال الأخلاقية,ويصحّ أنّ تكون القِيم الأخلاقية عاطفة وقاعدة كلية,ذلك أنّ القِيم الأخلاقية هي معانٍ أخلاقية أولاً وأخيراً,وتنطوي على الشعور المُلزِم للواجب,وبذلك أصبح واضحاً أنّ القيمة الأخلاقية الخيّرة تشرّع لنفسها بنفسها ,وتقرر نفسها في أداء واجبها.
وفي ذلك يقول كانطkant : “انّ فكرة الواجب لا تفترض أي قسرٍ غير ذلك الذي يمارسه الانسان على نفسه بنفسه في التحرير الباطن للارادة.”(2)
_______________________
_______________________
kant, critique de la raison pratique,traducton Frankel,paris,1953,page27 .(1)
Kant,critique de la raison pratique,traduction Frankel, paris,1953,p 146,147.(2)
9
اذاً,يستطيع العقل أن يميز من ألوان السلوك ما يتفق مع القانون الأخلاقي وما لا يتفق,من هُنا وضع كانط القاعدة الأولى للأخلاق في الصيغة الآتية:” افعل دائماً بحيث تكون قاعدة فعلك صالحة عقلياً لأن تكون قاعدة كلية…”(1)
من هنا ينشأ الاحترام ,وهو الدافع الوحيد الملائم في الأخلاق,فهو عاطفة من نوع خاص لانها تنبثق عن فكرة القانون.
وتوجد عبارة شهيرة لكنط في هذا الاطار:” السماء مرصّعة بالنجوم من فوقي والقانون الأخلاقي في باطن نفسي.”(2)
وينسجم ذلك مع قاله المفكر الفرنسي فولتير:”انّ غاية الأخلاق هي: أن يستحي المرء من نفسه أولاً.”( 3)
ولعلّنا نحتاج أشدّ ما نحتاج الى تكريس القاعدة الذهبية التي وضعها السيد المسيح ,اذ نجد فيها الروح الكاملة للأخلاق:” عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به,أو أن تحب غيرك كما تحب نفسك…”(4)
_________________________
(1)المصدر السابق نفسه,الصفحة نفسها.
(2 )منير البعلبكي,موسوعة المورد العربية,ط 29,بيروت,دار العلم للملايين,1995,ص 610.
(3) المصدر نفسه,ص 617.
(4) الانجيل المقدس,رسالة يوحّنا الرسول الأولى,3,4.
10
خلاصة عامة:
ومن المهم أن لا تتوارى القيم الأخلاقية الايجابية في جوقة المنظور الجزئي الأناني لحُب الذات,ولا تشعر هذه الذات بالمسافة اللامتناهية مع المثل الأعلى الأخلاقي,اذ بها يقيس الانسان نفسه بمقياس سامٍ لا يقع عند حدود الانحرافات اللاواقعية,وكي” نشعر بأننا جزء من الله”(1), كما تعتبر الرواقية.
مع الاشارة الى أنّه لا يوجد شيء الاّ ويدخل في قلب الصميم المنطقي الأكسيولوجي,وثنائية خيره أو شرّه .
وكأنّ هذه الحياة برمّتها هي الحقل المعجمي الأوسع ,والعقل الموسوعي لأكسيولوجيا القيم الأخلاقية الواسعة النطاق وبحدودٍ لامحدودة.
والجدير ذكره, أن أرقى القِيم الأخلاقية تترسخ في التيولوجيا المسيحية والاسلامية,والتي بدونها تغدو حياتنا غايةً لا تُراعى فيها أدنى الحقوق الانسانية.
وانّه لمن الأهمية بمكان التأكيد على أنّ التطرّف الديني هو النزعة اللادينية واللاايمانية,والذي يُقصي العقل والايمان على حدٍ سواء.
والواقع الراهن يزخر بالأمثلة الأكثر من كثيرة,والتي تتجذّر في صُلب حياتنا,وتقتل أسباب الحياة بكل أبعادها.
هذا الواقع الذي يحتاج كثيراً الى تفعيل مقولة القديس أوغسطين:”أؤمن كي أتعقل”(1).
________________________
(1) أوغسطين,الاعترافات, ترجمة يوحنا الحلو,ط5,بيروت,دار المشرق,1991,ص440.
11
مع العلم أنّ صراع الخير والشر يحضر بقوة في كل زمان ومكان .. وينسحب ذلك على أمثلة كل الثنائيات الموجودة الى آخر الكلام … ولكن,المفارَقة تكمن في التباين في فهم معايير الخير,او تحويلها لجعلها متلائمة مع متطلبات نفوس لا تقنع بخير وافر,بل تصل الى حدّ تسمية شرورها خيرات.
على أنّه ينبغي أن يُنظر الى الشر كما اعتبر القديس أوغسطين في اعترافاته بأنّه:”يساهم في اظهار النظام العام للوجود.”(1)
اذاً,فالخير كل الخيرهو أن يكون خيرنا هو خيار عقولنا المحتّم ,وكاوالية تحارب الالحاد فيها, ولنكون على وفاق مع انسانيتنا .
كما أنّ كاثرة المبادىء الأخلاقية الايجابية هي أنساق متضامنة فيما بينها(الحكمة,العفة,الشجاعة والعدالة),وذلك لامكان النهوض ب ايطولوجيا بناءة في المجتمع.
وهكذا,فالخير هو القيمة الحيوية لمجموع القيم ,وتكفي نفسها بنفسها ,وكما أنّ العلاقة بين القيمة وحاملها ,لا تندثر كذلك هي نتائج الخير مُلازمة للأفعال الخيّرة.
ذلك أنّ قيمة الحياة تُهدر اذا لم ترتبط بقيمة الوجود الروحي لقِيم الخير,فالحياة أمام استحقاقاتٍ أخلاقية عظيمة…
________________________
________________________
(1) المصدر السابق نفسه,الصفحة نفسها.
12
وفي النهاية, لا نستطيع اغفال التعريف الذي ساقه جوليفية عن الأخلاق قائلاً:”انها العلم الباحث في الاستعمال الواجب لحرية الانسان ابتغاء بلوغه غايته النهائية”(1).
فغالباً ما ندرك القيم الأخلاقية ونعرفها بالوجدان ,أو بنوع من رؤيا وجدانية ,ذلك أنّ معرفتنا بها قبلية بالضرورة.
يبقى الله هو القيمة المطلقة,ولكن محاولتنا لامتلاك القيم الخيّرة هي قداسةٌ بحدّ ذاتها,ولنكون أشبه بالحق اللامتناهي,ولكي تكون الحكمة هي المحرّك الصميمي لكلّ أفعالنا.
________________________
(1) أندريه لالاند,موسوعة لالاند الفلسفية,تعريب خليل أحمد خليل,ط1,مج 3,منشورات عويدات,بيروت-باريس,(لا,ت),ص1173.
Discussion about this post