مفهوم الذّات
من أجل تسليط الضّوء على مفهوم الذّات ودراسة أبعادها دراسة موضوعية لابد من تكوين بعض الأفكار عن ماهية الذّات الإنسانية وكيف تنشأ ومتى حاولت النظرية النفسية أن تُبين طبيعة ونمو الشّخصية فقد احتلت الذّات مساحة كبيرة في النّظريات الشّخصية. إذ يعتقد الكثير من علماء النفس ومن منظري الشّخصية أن أفضل السّبل لفهم الإنسان والتعامل معه هو اعتباره (كلاً منظماً) من هنا برز مفهوم الذّات لدى الانسان لأنه الكائن الوحيد الذي وعي ذاته من بين الألاف من الكائنات الحية التي تعيش على الأرض وكان نتيجة هذا الوعي بالذّات أن أصبح الإنسان نفسه موضوعا للملاحظة من قبل نفسه. وقد أُعتبر مفهوم الذّات من العوامل الموجهة للسلوك بناء على الصّورة التي يفهم فيها الإنسان نفسه.
وكان من المعروف لدى علماء النّفس في ذلك الوقت أن أهم محتويات العقل الشّعوري هي (خبرات الفرد لنفسه) كما حثت فكرة الذّات لدى التجربيين الأوائل على تحسس الفرد لحالته الدّاخلية وقد ظهرت ملامح هذه النّظرة في مطلع القرن العشرين. كما ويقصد بمفهوم الذات : الإتجاهات والأحكام والقيم التي يحملها الفرد بالنسبة لسلوكه وقدراته وجسمه وقيمته كفرد . ويمكن أن نعبر عن هذا المفهوم ذا بُعداً واحدا من إبقاء الشّخصية التي يختلف الناس فيها، مثلما يختلفون في أية صفة أخرى ، ويُعد مفهوم الذّات من الأبعاد المهمة في الشّخصية الإنسانية والتي لها أثر كبير في سلوك الفرد وتصرفاته ، حيث يلعب دورا كبيرا في توجيه السّلوك وتحديده . فالكيفية التي يدرك بها الفرد ذاته تؤثر في الطّريقة التي يسلكها، لذلك نجد أن معرفة كيفية إدراك الفرد لذاته ستساعد في عملية تقويمه . كما رأى البعض أن للذات بُعدين أحدهما: لها وظيفة تنفيذية كونها ترتبط بالفلسفة والبعد الثاني : كون أن الذّات هي (موضوع) ، وأن أشهر تعريف للذات وهو (احساس الفرد بالهوية)
فالذّات في اللغة العربية مأخوذة من كلمة (الذات) وهي مؤنث (ذو) ، وذات الشيء هو نفس الشّيء ، أي أوعيته وجوهره ، فهذه الكلمة لغويا ، مرادفة لكلمة النفس كما ورد بقوله تعالى على لسان عيسى أبن مريم :(( تعلم ما في نفسي و لا أعلم ما في نفسك)) . أي أنت تعلم ما في ذاتي وأنا لا أعلم ما في ذاتك، كما جاء ذكر كلمة النفس في القرآن الكريم بثلاثة مفاهيم أساسية هي (النّفس الأمارة بالسوء – والنّفس اللّوامة – والنّفس المطمئنة). وعلى هذا الأساس فان الذّات هو الجزء الظّاهري للنفس ومكونة من الطبقات التالية: وهذه الطبقات تمثل أوعية الذّات وجوهرها.
أولا: الذّات المادية (materal self) وتتكون من الجسم ومن ممتلكات الفرد وأسرته وأصدقائه.
ثانيا: الذّات الإجتماعية ( social self) وتمثل انطباعات الآخرين او تقدير الآخرين له من (معارف وأصدقاء) واهتمامهم واعترافهم به .
ثالثا: الذّات الرّوحية (spirit self ) وظيفتها تنظيم الإتجاهات والسّمات و من أبرز خصائصها الخصوصية ، هو الثّبات بإحساس الفرد بفرديته من خلال التجارب الشّخصية والقابليات والإحساسات والأفكار والقيم .
رابعا: الأنا الأعلى (super ego) وهي بالحقيقة ليست منفصلة عن الذّات الرّوحي.
ولهذا كانت النّفس موضع دراسة اختصّ بها منظري علم النفس بدراسة علمية وموضوعية للسلوك الإنساني فقيل أن ذات الإنسان هي (نفسه العاقلة العارفة) و هذا التّعريف عن الذّات هو الجزء الظاهر من النّفس في حين أن الذّات تتكون بنيتها من نتيجة التّفاعل مع البيئة وتشمل الذات المدركة والذّات الإجتماعية والذّات المثالية كما أشرنا أعلاه . عندها نجعل مفهوم الذّات على النحو التالي:
1- الذّات الواقعية (Actual Self) :
هي عبارة عن إدراك الفرد لقدراته ومكانته وادواره في العالم الخارجي، فهو يتأثر بعوامل عدة منها حالته الجسمية ومظهره الشّخصي وقدراته ومكانته وقيمه وادواره والمعتقدات التي يعتنقها ومستويات طموحه.
2_الذّات الإجتماعية (Social Self):
وهي فكرة الفرد عن نفسه، كما هو يعتقد، بأن الآخرين يرونها . وهذا المفهوم قد لا يتفق وإدراك الآخرين المعلن له، إلا أنه يؤثر تأثيرا قويا على السلوك. فاذا ما تكون لدى الفرد انطباعا معينا، فان الآخرين يعتقدون بأنه غير مقبول اجتماعيا، فيتكون لديه اتجاها سلبيا نحو ذاته، أما إذا رأى أن للأخرين فكرة إيجابية عن شخصيته فإنه سوف يتخذ مسارا إيجابيا نحو ذاته
3- الذّات المثالية (Ideal Self) :
وهي نظرة الفرد إلى نفسه كما يجب أن تكون، وهذه النّظرة قد تكون واقعية أو قد تكون منخفضة أو قد تكون مرتفعة طبقا لمستويات الطّموح عند الافراد ومدى علاقة ذلك بقدراتهم والفرص المتاحة لهم لتحقيق الذّات. ان كان فرد يتخيل نفسه في اعماق ذاته فتكون له مثله العليا واتجاهاته وقيمه وتوقعاته وأهدافه ومستويات طموحه التي يرغب في تحقيقها. أما إذا كانت الذّات المثالية تُبنى على تقدير واقعي لقدرات الشّخص الحقيقية ونواحي قصوره، فانها تُستخدم كمرشد لتوجيه سلوك الفرد. من هنا نجد أنه كلما قلّ الاختلاف بين الذّات الواقعية والذّات المثالية ازداد نضج الفرد، وأصبح من المحتمل لهذه الصورة المثالية أن تتحقق. وحينئذ يمكن القول بأنه متقبل لذاته كانسان ولديه الثّقة بنفسه وبقدراته ويثق بمن يمدون له يد المساعدة على طول الطريق، كما تكون لديه الشّجاعة على مواجهة إمكانياته والعيش في نطاقها والنّظر إلى مستقبله وأهدافه نظرة واقعية.
لذلك فان (الذّات) تستخدم كصفة مرادفة للشخصية، وهذا اللفظ يؤكد على
شعور الفرد بكيانه، هو الإحساس بالزّهو والارتياح في النّجاح او الحزن وخيبة الأمل في الفشل ، مما يدفعه إلى أن يُهيء نفسه على أداء العمل بإتقان ويُسهم نفسه بمعالجة ما يحدث من أخطاء ، لكي يشعر بأنه قد اتخذ قرارات يحس بأسفه على السيء منها ، ومرضاته على السّليم والصّحيح ، وفي هذه الحالة لابد من وجود ذات تعزي لها هذه المشاعر التي تمتلىء بها حياة الإنسان . وقد عبر عنها القرآن الكريم بالنفس اللوامة: وهي تلوم صاحبها على فعل الشر وترك الخير، ويُعبر عنها علماء الأخلاق بالإلزام الخُلقي , وتقابلها النّفس الفاجرة اللامبالية بشيْ ولا تشعر بالمسؤولية عن شيْ .
إذن فان مفهوم الذّات يتكون من أفكار الفرد الذّاتية التي يتمثلها الفرد من خلال التّفاعل الاجتماعي مع الآخرين. فالذّات هو إحساس الفرد بقيمة نفسه من خلال احتكاكه مع البيئة المحيطة به. فالإنسان يتفاعل مع البيئة التي يعيش فيها وبشكل خاص مع النّاس المهتمين في حياته من الأباء والأخوة والأقارب والأصدقاء، وبالتالي يتطوّر مفهوم الذّات ببروز تقييمات الآخرين بشكل كبير، فإذا كانت هذه التّقييمات مناسبة فالشخص يواصل عمله باتجاه تحقيق الذّات وإذا كانت هذه التقييمات غير مناسبة هنا تحدث حالة من التّنافر والتي تولد حالة من القلق النّفسي.
وبما أن الذّات تعبر عن مجالين للشخصية المجال الأول هو الذّات الشّخصية وتشير إلى كيف يرى الفرد نفسه التي يجاهد في التّوصل إليها ويتكون هذا المجال من العمليات النفسية الرئيسية (الادراك – التعلم – الواقعية) لتكون وحدة متميزة. أما المجال الثاني هو الذّات الاجتماعية والذي يشير الى حقيقة تصور الاخرين له. فان الشّخصية السّليمة في نموها وتطوّرها النفسي يكون صاحبها فردا مبدعا وخلاقا حتى لو كان في شيء صغير أو اتخاذ قرارا جديدا في حياته الذي يعكس له مدى إدراك الفرد لنفسه وقدراته والمجتمع الذي يعيش فيه ليؤثر فيه ويتأثر به. فالذات تشمل في الغالب خصائص الأنسان الجسمية والعقلية والشّخصية كما تعبر عن معتقداته وقيمه وقناعاته وطموحاته السّابقة والتي شكلها وبلورها من خلال الافراد المهتمين في حياته وغيرهم، وبنفس الوقت فهي تسعى إلى التكامل واكتشاف مواهبنا وتطوير وتحقيق قدراتنا الشخصية وممارسة
مهارتنا. فضلا عن ذلك فهي تخطط ما يتصوره الأنسان للمستقبل. فالذّات باختصار هي فكرة الشخص عن نفسه، أي نظرة الشّخص إلى نفسه باعتباره مصدر الفعل. وبالتالي فهي تقع تحت طائلة العقاب والثّواب كما هو واضح من قوله تعالى: كل نفس ذائقة الموت. وقوله: يا أيتها النّفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي.
الخلاصة
مفهوم الذّات يعبّر عن الصّورة التي يحملها الفرد عن نفسه، والتي تتضمن مجموعة من الأفكار والمعتقدات والمشاعر التي يدركها عن هويته وقدراته وقيمته الذّاتية. الذّات ترتبط بالوعي الشّخصي لكل فرد، أي كيفية رؤيته وتقييمه لنفسه في سياقات مختلفة من الحياة، وتشمل تصوره لمظهره الخارجي وشخصيته وسماته النفسية والاجتماعية.
أما بالنسبة للفارق بين الذّات والنفس، فالذّات تعتبر أوسع وأشمل؛ فهي تشير إلى هوية الفرد بكامل جوانبها، بما في ذلك إدراكه لذاته على المستوى العقلي والعاطفي والاجتماعي، بينما تشير النفس إلى الجانب الروحي أو الداخلي للفرد، وهي مركز الرغبات والميول والمشاعر العميقة.
بالتّالي، الذّات هي مفهوم شامل يعكس فهم الفرد لنفسه بكافة أبعادها لكونها الجزء الظّاهر من النّفس.
عدنان الطائي






































