وهم .. ” صلاح زنكنة ”
* هل للوهم قوّة السّمّ في سبعة أيام ..؟!
* ويبقي الموروث الثّقافي الكردي ينبوعا تنهل منه الأصالة والحكمة.
عصمت شاهين الدوسكي
في البدء كانت الكلمة .. وكلّ شيء بها .. وبغيرها لم يكن هناك شيء فيها .. كانت الحياة نوراً لكلّ البشر … وفي ظلّ هذه الحياة مواعظ وعبر كثيرة .. نستلهم منها التّفكير الصّحيح والسّبل الّتي تأخذنا إلى برّ الأمان . . برّ الحبّ والخير والوئام .. الموروث الكردي الثّقافي زاخر بالقصص الّتي تعبّر عن أصالة الشّعب الكردي وتفكيره ، غيرته ، عواطفه ، شجاعته و حكمته … ومن هذا الموروث الأصيل قصّته (الوهم) الّتي كتبها صلاح زنكنة وهي قصّة قصيرة مستوحاة من الموروث الثّقافي الكردي ….
أسلوب الحوار يطغى على القصّة .. وهو حوار بسيط غير معقّد .. لكن من هذه البساطة تتجلّى القيمة الفنيّة والحكمة الفكريّة الإنسانيّة .. فكلّ كتابة لا تأتي عشوائيّا … من لحظة الإيحاء وولادة الفكرة .. الّتي تتبلور في ذهن الكاتب .. إلى أن تخرج لنا بعد صراع فكريّ وجهد إنساني حصيلتها تكون في سبيل خير الإنسانيّة أولا وفي عداد الأعمال الإبداعيّة ثانيا ..
يسأل الملك .. (أيوجد سمّ أشدّ فتكا من سمّ الأفعى..؟ أجاب الشّاعر:أجل يا مولاي … سمّ الوهم ) ..
إنّ الإدراك الرّوحيّ والفكريّ العميق بقوّة الوهم وتسلّطه وطاغوته الّذي يغدو كسيف على جيد صاحبه .. هو ما أدركه الشّاعر كونه قريبا من كلّ الهواجس والهالات الفكريّة والصّور الإنسانيّة الواقعيّة الّتي تحيط به، وبالآخرين ولا تريد أن تزيد من مكانة الشّاعر .. ولكن بإمكاني القول .. أنّه ينقل صورة الحقيقة الإنسانيّة .. كما هي .. مهما كانت مؤلمة … فبإحساسه المرهف يدرك الصّور والتّأثيرات المرئيّة واللّا مرئيّة .. والشّاعر بطبعه يكره أو يعادي كلّ بلاط مزيّف .. وكلّ تاج مرصّع بالجواهر والمرجان آيل السّقوط .. قهقهه الملك مستهزئاَ بالشّاعر .. فكيف يكون الوهم أشدّ فتكاَ من سمّ الأفعى ..؟
ولكي يتأكّد أيّهما الأشدّ اختار أن يسقي الشّاعر سمّ الأفعى وأن يسقيه الشّاعر سمّ الوهم .. مدركا في ذاته أنّ سمّ الأفعى أفتك من سمّ الوهم …
[ قهقهه الملك وقال : حسناً ، أسقيك سمّ الأفعى واسقني سمّ الوهم لنرى أيُهما أفتك..]
يا تري كيف سيكون موقف الشّاعر ..؟ الّذي قال فيه الشّاعر المبدع («لطیف هلمت» .. حيث أمعنت النّظر في الشّاعر .. رأيته يذوب قطرة، قطرة .. ويتحوّل إلى لهيب ..)
لا بدّ من هذا اللّهيب أن يقبل بهذا الاختبار الّذي صاغه الملك … [مشيئة مولاي : لكن لي شرط واحد ..]
ما هو هذا الشّرط الّذي يتشبّث به الشّاعر ويطلبه .. هل ينبغي أن يضع حاجزاَ عائقا للحالة الّتي طوّقته .. أم خلاص لما هو فيه .. فالملك حصّته سمّ الوهم … والشّاعر حصّته سمّ الأفعى … وإذا كان هناك خلاص للشّاعر .. فهل هناك بصيص من الخلاص للملك ..!؟
[قال الملك ما هو ..؟ أفصح ، قال الشّاعر: أن أتناول عقارا بعد السّم .. قال الملك ساخرا : لك ما تشاء ..] منذ الأزل لم يحصل أي إنسان على شيء ذي قيمة مصادفة… فكلّ نتيجة نهائيّة .. يسبقها تفكير وجهد .. متواصل ومتابعة وجدانيّة وعمليّة .. فالشّاعر عندما يطلب عقارا يتناوله بعد سمّ الأفعى يدرك أن هذا العقار سيخفّف قوّة السّمّ أو يطرده نهائيّا من جسمه .. وبهذا وجد الشّاعر خلاصه الفكريّ ، العمليّ .. خاصّة أنّه يحتسي كأس السّمّ، سمّ الأفعى على مرأى من أعوان الملك ووزرائه .. والبسمة لا تفارق روحه ومحيّاه .. تأكيدا على صواب فكرته و روحه وإحساسه ونصره الأكيد …
[علی مرأی من أعوان الملك ووزرائه ، احتسى الشّاعر كأسا من سمّ الأفعى المزدوج بدهن الخروع والأعشاب البرّيّة .. ثمّ تقيّأ كلّ ما في أحشائه حتّى بدا الزّعاف والبسمة لا تفارق محياه وتجشّأ وقال: العقار … وكرع الحليب متعافياَ …]
عندما رأى الملك كيف تخلّص الشّاعر من سمّ الأفعى … أصابه الفزع … فكيف سيتخلّص هو من سمّ الوهم الّذي لا يعرف عنه شيئا .. فأصابته شرارة الشّكّ والخوف والقلق .. [ قال الملك وعيناه تقدحان شرارا : جاء دوري أيّها الشّاعر فهات ما عندك .. قال الشّاعر بهدوء : أمهلني سبعة أيام يا مولاي لأهيّئه….!!]
إنّ مجرد وضع الملك في حالة الانتظار… وتسرّب الشّكّ والقلق في أعماقه.. يخلق بركانا من اللّا حياة .. فالشّكّ يطفئ شعلة الفكر ويبدّد كلّ بصيص… نور باق في أعماق الإنسان ويغرق في يمٍّ فظيع وطلسم غريب وهواجس تنهشه و کوابیس تحاصره .. وديجور يهتك بكارة الرّوح ..ومن الصّعب جدًّا أن يدخل الإنسان في أعماق إنسان آخر .. أن يفهمه .. يدرك مكنوناته .. فكيف سيفهم ويدرك الملك ما يخفي له الشّاعر …!؟خاصة أنّ الشّاعر قد يكون رمزاً لأي إنسان يحيا في هذا العالم .. يدرك أنّ ما يستطيع عمله من كلمة ، فعل هو اختبار لقوّة فكرته وإرادته … وقد تتساءل .. لم. أختار الشّاعر سبعة أيام…؟ ولم لم يختَر أربعة أيام أو خمسة…؟ وهل هناك قانون تحضيري منهجي .. أو … كيمياوي، فيزياوي، جبري ..؟ يقول .. الشّاعر .. أمهلني سبعة أيام لأهيّئه … الشّاعر وضع القانون الوهم في سبعة أيام .. وهو قانون فكري ، روحي ، وجداني … قبل كلّ شي.. قابل للزّيادة أو النّقصان…
ثاني أوكسيد الكاربون ينتج من تحضير وتفاعل الكاربون والأوكسجين… يا ترى كيف سيحضر الشّاعر سمّ الوهم..؟ يستعمل الشّاعر (الهاون + رنينه) فقط .. لكن .. ماذا وضع في الهاون ..؟.
[سبعة أيام ورنين هاون الشّاعر لا يفارق مسامع الملك إلّا في هزيع الليل فيأوي إلى سريره والهواجس تنهشه والكوابيس تحاصره ليستيقظ فجراَ مع أوّل دقّة هاون .. ترى ما يعدّ له هذا الشّاعر الملعون …؟]
إذا أردت أن تصعد شجرة مثمرة .. وتقطف ثمارها النّاضجة .. فعليك أن تعرف سبيل النّزول .. وإلّا سقطت سقطة لا يحمد عقباها … هذا لم يذكره الملك …
[ في اليوم الأول لم يبال والهاون يرنّ .. في اليوم الثّاني داهمه القلق والهاون يرنً.. في اليوم الثّالث حلّ فيه الخ






































