“حُروفٍ سَّامَّة”
قَذَفَتْني قَصيدَتي إلى شَفِيرِ الأبجديّة،
تَرَكَتْني أَتَأَبَّطُ طَعْنَةَ فِعلٍ ماضٍ في وَهْدَةِ الرُّوحِ،
حيثُ الأُفُقُ هاوِيَة.
أنا الذَّبيحَةُ الكُبرى،
وَأَنْهارُ حِبري تَتَساقَطُ على مَتْنِ الخِيانَةِ جُثَثًا.
أواه… باتت بُوصْلَةُ دَمي تائِهَةً؛
لا أستَبِينُ الأَصْلَ من الفَرْع،
ولا الرّأسَ من ساقِ النُّصوصِ المُنهارَةِ.
أقِفُ عاجِزَةً أمامَ اشْتِعالي الّذي لا يُجْمَع،
وأورِدَةُ الطّمأنينةِ بُتِرَتْ من الجُذورِ.
يا فروة الغدرِ، أيُّ بَرَدٍ هذاَ الجَفاءُ الّذي اجتاحَ أرضَكِ؟
لم يَكُن في رِئَتيكِ شَهيقُ ذِكرى،
ولا في قاموسِكِ شَرَفُ وَفاء.
أَوَليسَتِ العُهودُ تُرمَى تحتَ مِسْوَدَّةِ النِّسيان؟
أَيُعقَلُ أنْ يُصَابَ النَّبضُ بِسَكْتَةٍ وِجدانِيَّةٍ خاطِفَةٍ،
وأنا الّتي أَسْتَنْبِتُ الشِّعرَ قبلَ وُلوجِ الإحساس،
حيثُ كان الإبداعُ لي قَضِيَّةً مَسجُونَةً في كُلِّ نَصٍّ؟
ما أَفْقَرَني حَظٌّ!
إذا مَثَلتُ، أُعلِنُ احتِضارَ الحَواسِّ حَولي،
تَكَسَّرَتْ أَصابِعي تحتَ فُخُوخِ النَّصبِ البَلاغيِّ،
ولا شَاهِدَ يُشرِقُ في مَحكَمَةِ القَلبِ.
وأنا أَغْزِلُ الجُمَلَ من خَيْطِ الوَهْم،
أُنشِئُ جُسورًا من رُكامِ المَعنى،
لأَكسِرَ قُيودَ النِّقاطِ في جَدْوَلِ الزَّمنِ المُعتِم،
وأُكْمِلَ هذا الدَّرْبَ المَوشومَ على جَبينِ العُمرِ.
أَيَّتُها، قَصيدَةُ العُمرِ المُشتَهى،
ظَنَنْتُكِ سَنَدي في طُوفانِ الدُّنيا،
فأَطلَقْتِ رَصاصَكِ في أوَّلِ مُنعَطَفٍ للقَصْدِ!
كيفَ تَبَدَّلَتِ الأُلفُ إلى رايَةِ هَزيمةٍ،
وأنا أُسَجِّلُ بَيَانَ السَّلامِ الأخيرَ على أَعتَابِ المَعقولِ؟
أَحْرُفٌ مَوشُومَةٌ بِالسُّمِّ،
كَلِماتٌ كالصَّحارَى قَسْوَةً،
قَصيدَةٌ دَمَوِيَّةُ الخِيانَةِ؛
وأمّا أنا… فـأيُّ مَنفًى يَليقُ بي لأَحيا؟ ولماذا؟
آهْ يا جَلاّدةَ الوَحيِ الخائِنةِ، لِمَ هذا التَّوقيتُ السَّاديُّ؟!
أنا — يا أَبْعَدَ مَن نَحْتُّهُ إِبداعًا —
كُنتُ أَصْطَفِيكِ من جَمرٍ لا تَخْمَدُ نَارُهُ،
أُرضِعُكِ خُلُودَ الحِبرِ من نَزيفِ جَبِينِي،
فإذا بِكِ تَنقَلِبِينَ مَشهَدًا على ذاتِي،
وتَغوصِينَ في رِئَتِي بشَفرةِ القَوافِي الّتي صَاغَتْها يَدي لَكِ.
يا أُنثى الرُّوحِ المَغدُورةُ،
كُنتِ قِبْلَةَ تَجَلَّ ومَذْبَحًا إعلانيًّا،
رَأَيتُكِ تَتهَجَّدِينَ في مَحَارِيبِ دَفاتِري،
وتَسْتَحِمِّينَ بِماءِ دُمُوعي قَبْلَ أن تَكْتُبي أَوَّلَ فِتْنَةٍ.
فماذا غَسَلَ طُهْرَكِ؟ أَهيَ حُبُوبُ السُّمِّ الّتي بَثَّها الغُرباءُ في حِبالِكِ الصَّوتيَّةِ؟
أم صَدَى الإعجابِ حينَ لَمَحْتِ وَجهَكِ في مِرآةِ التَّصْفيقِ المُزَيَّفَةِ؟
آهٍ يا بِنْتَ الوَحيِ العَاقَّةِ،
كُنتِ امتِدادي، وَها أَنتِ الآنَ شَاهِدَةٌ على مَمَاتِي البَطيءِ،
تَنهارِينَ كَجِدارٍ مَسمومٍ من الحِبرِ فوقَ أطلالِ المَعنى،
تَرقُصِينَ على رَمادِ مَجْدي الَّذي وُلِدَ مَيْتًا،
وتَتْرُكِينَني أَتَلاشَى بَيْنَ قَسْوَةِ السُّطُورِ الصَّامِتَةِ،
كَمن يُدْفِنُ قَلْبَهُ في مَتاهاتِ كُتُبِ البَلاغَةِ العَقِيمَةِ.
سَأَعودُ لأُخطَّكِ مَرَّةً أُخرى،
لكِنْ سَأَبْصِمُكِ بالخِنْجَرِ لا بِيَراعٍ خَجُولٍ،
سَأَرسُمُكِ وَمْضًا فَوْقَ جِلْدِي لا على وَرَقٍ مُتَآكِلٍ،
لَعَلَّ وَجَعِي يَعْرِفُ مَدَى اتِّساعِهِ حِينَ يَراكِ تَتَعَفَّنِينَ عَلَى شُرْفَةِ رُؤْياي.
آهْ يا قَصيدَتي الخائِنَةُ، كُنتِ لي مَنبَعًا وصِرْتِ مَقْبَرَةً،
كُنتُ أنا الكَينونَةَ الَّتي احْتَوَتْكِ… وَها أَنا الآنَ لَسْتُ أَحَدًا يُذكَرُ.
سابرينا عشوش






































