الحَجّاجُ بن يُوسُفَ الثقفي: العبقرية المظلمة وبطش الجبّار ..
تقرير – سلمى صوفاناتي
في صفحات التاريخ الإسلامي، يظل اسم الحجاج بن يوسف الثقفي محفورًا بمدادٍ من الجدل والرعب، شخصية جمعت بين الدهاء السياسي الحادّ والبطش القاسي. وُلِد الحجاج سنة 40 هـ في الطائف، في بيتٍ متواضع من بني ثقيف، ولم يكن في بدايته سوى معلمٍ صادقٍ يعلّم الأطفال القرآن. لكنه لم يلبث أن تحوّل، بفعل طموحٍ لا يعرف حدًّا، إلى رمزٍ للجبروت والسيطرة المطلقة.
– ذكاء سياسي يتجاوز الرحمة :
تولّى الحجاج ولاية العراق والحجاز في عهد الدولة الأموية، وكان له الفضل في إرساء النظام المالي والإداري، إذ أوجد عملة موحدة، ونظّم الضرائب والخراج، وأعاد للأرض والمدينة انتظامها بعد فتنٍ مضنية. كما كان له الفضل في توسيع الفتوحات في الشرق، فأرسل جيوشًا إلى خراسان وبلاد ما وراء النهر، ممهّدًا الطريق أمام الدولة الأموية لتثبيت سلطانها.
غير أن عبقريته السياسية لم تُرافقها الرحمة، بل كان يُعرف بالمبير – أي المهلك، كما وصفه العلماء، يقتل ويعذب بلا محاكمة، ويرسم الخوف على وجوه الناس. العراق تحت حكمه لم تكن إلا ساحة للرعب المستمر والجبروت المطلق.
_البطش الذي لا يعرف الحدود :
كان بطش الحجاج بلا هوادة؛ فقد قتل آلافًا، وأغلق السجون على النساء والأطفال، ولم يسلم من سيفه عالمٌ ولا زاهد. ومن أشهر ضحاياه سعيد بن جبير، الذي أُعدم ظلمًا بعد أن حاوره في مجلس الحجاج، كرمزٍ للسلطة التي تسحق كل صوتٍ معارض.
وكان يقول في عقله الحاد:
“إني أرى في العدل ضعفًا، وفي العفو خورًا.”
كلماته كانت رعدًا يزلزل النفوس، وصورته في التاريخ ظلّ سيفٍ لا يرحم.
وعلى الرغم من أن النبي ﷺ لم يذكر الحجاج باسمه، فإن حديثًا صحيحًا أشار إلى ظهور شخصية مماثلة له من قبيلة ثقيف، فقال ﷺ:
«فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ»
(رواه مسلم).
وقد فسّر العلماء كلمة “المبير” بأنها الحجاج بن يوسف الثقفي، الرجل الذي أهلك خلقًا كثيرًا ببطشه وظلمه، وهو ما تأكد في أفعاله لاحقًا، فتجسدت هذه النبوّة في الواقع المروع الذي صنعه الحجاج.
_ إرث مزدوج: عبقرية في مواجهة بطش ..
يترك الحجاج إرثًا مزدوجًا: رجل دولة محنك أعاد الانضباط الإداري واستقرار الدولة من جهة، ومن جهة أخرى رمزًا للظلم والجبروت، ودليلًا صارخًا على أن السلطة حين تستعبد الإنسان تُفسد روحه وتحيله جلّادًا باسم النظام.






































