اليومُ الدوليُّ للمرأةِ الريفيَّةِ: أنشودةُ الأرضِ المنسيَّةِ
بقلم : أشرف كمال
المرأةُ الريفيَّةُ… عمادُ الأرضِ وذاكرةُ الزراعةِ ..
في الخامسَ عشرَ من أكتوبرَ من كلِّ عامٍ، يتوقفُ العالمُ قليلًا ليُحييَ يومًا استثنائيًّا، هو اليومُ الدوليُّ للمرأةِ الريفيَّةِ، يومٌ لا يحتفلُ فقط بامرأةٍ تزرعُ وتحصدُ، بل بكيانٍ صبورٍ يحملُ وجهَ الأرضِ وملحَها، ويُقدِّمُ للعالمِ ثمارَ البقاءِ رغمَ قسوةِ الطبيعةِ وجفاءِ الواقعِ.
إنَّها المرأةُ التي تُطعمُ العالمَ من صبرِ يديها، وتُضيءُ القرى بابتسامتها المتعبةِ، وتظلُّ في الصفوفِ الأولى للزراعةِ والتنميةِ وتأمينِ الغذاءِ، رغمَ التحدياتِ التي تُحاصرُها في كلِّ صباحٍ.
_ اعترافٌ متأخِّرٌ… لكن ضروريٌّ ..
حينَ خصَّصت الأممُ المتحدةُ هذا اليومَ، أرادت أن تُوجِّهَ للعالمِ رسالةَ اعترافٍ وامتنانٍ، للنساءِ اللواتي يحملنَ على أكتافِهنَّ عبءَ محاربةِ الفقرِ، وضمانَ الأمنِ الغذائيِّ، ومواجهةَ تغيّرِ المناخِ.
فهنَّ لا يعملنَ في الأرضِ فحسبُ، بل يحمينَ البيئةَ، ويحافظنَ على التنوعِ الحيويِّ، ويُدرنَ المواردَ الطبيعيةَ بحكمةٍ فطريةٍ أودعتها فيهنَّ الحياةُ نفسُها.
_ زرعٌ وصبرٌ وبناءُ أجيالٍ ..
المرأةُ الريفيَّةُ ليست عاملةَ حقلٍ فحسبَ، بل هي معلّمةُ الأجيالِ ومهندسةُ الصبرِ.
فبينما تنحني لتغرسَ البذورَ، تزرعُ في أبنائِها قيمَ العملِ والكفاحِ، وتُشيّدُ بعرقِها مجتمعاتٍ قائمةً على التضامنِ والعطاءِ.
تشيرُ الإحصاءاتُ إلى أنَّ النساءَ الريفياتِ يُوفّرنَ قرابةَ ثمانينَ في المئةِ من إنتاجِ الغذاءِ في بعضِ الدولِ الناميةِ، مستخدماتٍ أساليبَ زراعةٍ مستدامةٍ، كإدارةِ التربةِ العضويةِ، وإعادةِ التشجيرِ، واختيارِ البذورِ المقاومةِ للجفافِ.
هؤلاءِ النسوةُ لسنَ مجردَ أيادٍ عاملةٍ، بل عقولٌ واعيةٌ تقرأُ الأرضَ وتُصغي لنبضِها.
_ شعارُ العامِ: الطبيعةُ مستقبلُنا المشتركُ ..
يرتكزُ موضوعُ الاحتفالِ هذا العامَ على شعارٍ بليغٍ: “المرأةُ الريفيَّةُ تحافظُ على الطبيعةِ من أجلِ مستقبلِنا الجماعيِّ”.
إنَّه نداءٌ للعالمِ كي يعترفَ بأنَّ هذه المرأةَ ليست على هامشِ التنميةِ، بل في قلبِها النابضِ.
فتمكينُها ليس منحةً، بل ضرورةٌ وجوديَّةٌ تضمنُ استدامةَ المواردِ وبقاءَ الحياةِ نفسِها.
فكيفَ نرسمُ مستقبلًا أخضرَ دونَ أن تكونَ اليدُ التي تزرعُ جزءًا من القرارِ؟
_غيابُ الاحتفاءِ… وحضورُ العطاءِ …
ورغمَ أهميةِ هذا اليومِ، إلا أنَّه مرَّ — كعادتهِ — في كثيرٍ من البلدانِ بلا احتفالاتٍ تُذكرُ، وبلا تكريمٍ يليقُ بمن زرعنَ الحياةَ في الترابِ.
تظلُّ المرأةُ الريفيَّةُ في الظلِّ، تُقاومُ بصمتٍ، بينما تتوارى عنها عدساتُ الإعلامِ وأصواتُ المسؤولينَ.
لكنَّها، برغمِ التجاهلِ، لا تزالُ تزرعُ، وتُربّي، وتبني وطنًا من العطاءِ.
_ خاتمةٌ: تقديرٌ لا بدَّ أن يُقالَ ..
إنَّ الاحتفالَ بالمرأةِ الريفيَّةِ ليس مجرّدَ طقسٍ رمزيٍّ، بل هو اعترافٌ بجدارةٍ إنسانيَّةٍ وركيزةٌ أساسيَّةٌ لتحقيقِ العدالةِ الاجتماعيَّةِ والمساواةِ.
فتمكينُها هو الخطوةُ الأولى نحوَ مستقبلٍ تُرويهِ العدالةُ وتُزهرُه الكرامةُ.
وإلى أن يلتفتَ العالمُ حقًّا إلى تلك المرأةِ التي تشبهُ الأرضَ في صبرِها وكرمِها، ستظلُّ الريفيَّةُ — رغمَ النسيانِ — الوجهَ الأصدقَ للحياةِ.






































