مصرُ… تصنع السلام في الشرق الأوسط
بقلم : أشرف كمال
في عالمٍ يموجُ بالتحالفاتِ المتبدِّلةِ والمصالحِ المتقاطعةِ، بقيتْ مصرُ تمثِّلُ صوتَ الاتزانِ والعقلانيّةِ السياسيّةِ، حينَ اختارَ كثيرونَ الصمتَ أو المزايدةَ.
لمْ تتعاملْ القاهرةُ معَ ملفِّ غزّةَ بعاطفةٍ آنيةٍ، بلْ بعينِ الدولةِ التي تُدركُ أنَّ السلامَ لا يُصنعُ بالشعاراتِ، بلْ بالمواقفِ الواقعيّةِ التي تحفظُ الحقوقَ وتصونُ الكرامةَ.
_ انسحابُ إسرائيلَ وبدايةُ الإعمارِ: انتصارٌ للإرادةِ السياسيّةِ ..
جاءَ انسحابُ إسرائيلَ منَ القطاعِ كحدثٍ محوريٍّ في مسارِ الصراعِ، لكنَّه لمْ يكنْ ثمرةَ ضغطٍ عسكريٍّ بقدرِ ما كانَ نتاجَ تحرّكٍ دبلوماسيٍّ مصريٍّ محسوبٍ بدقّةٍ.
ومعَ بدءِ تدفّقِ شاحناتِ المساعداتِ الغذائيّةِ والصحيّةِ إلى غزّةَ، بدا واضحًا أنَّ القاهرةَ لمْ تكتفِ بدورِ الوسيطِ، بلْ تبنّتْ دورَ الضامنِ الإنسانيِّ الذي يُحوِّلُ الهدنةَ إلى فرصةِ حياةٍ.
_ الموقفُ المصريُّ: فرضُ الواقعِ وحمايةُ الهويّةِ الفلسطينيّةِ ..
استطاعتْ مصرُ، عبرَ أدواتِها السياسيّةِ والإقليميّةِ، أنْ تفرضَ قرارَ الأمرِ الواقعِ:
الأرضُ فلسطينيّةٌ، ولا مجالَ للحديثِ عن تهجيرٍ أو اقتلاعٍ أو بدائلَ وهميّةٍ.
لقدْ واجهتِ القاهرةُ كلَّ الضغوطِ الداعيةِ لتصفيةِ القضيّةِ بحزمٍ نابعٍ منْ قناعةٍ تاريخيّةٍ بأنَّ الحقَّ لا يسقطُ بالتقادمِ، وأنَّ العدلَ هو أساسُ أيِّ سلامٍ دائمٍ.
_ المساعداتُ والنازحونَ: شرفُ الموقفِ لا تجارةُ الدمِ ..
إرسالُ مصرَ مائةَ أتوبيسٍ إلى شمالِ غزّةَ لمْ يكنْ مجرّدَ خطوةٍ إنسانيّةٍ؛ بلْ كانَ بيانًا عمليًّا لشرفِ الموقفِ المصريِّ.
تحرّكتِ القوافلُ تحتَ رايةِ الرحمةِ والواجبِ، تنقلُ النازحينَ لا لتُبعدَهم عنْ أرضِهم، بلْ لتحميَهم منْ آلةِ الحربِ وتُعيدَهم آمنينَ إلى بيوتهم.
فالقاهرةُ لا تعرفُ التهجيرَ القسريَّ، بلْ تعرفُ كيفَ تصونُ الأرضَ وتواسيَ الإنسانَ.
_ مصرُ… الدولةُ التي لا تُشاركُ في ظلمٍ ..
في عالمٍ يضجُّ بالصفقاتِ السياسيّةِ والمساوماتِ الأخلاقيّةِ، رفضتْ مصرُ أنْ تكونَ شاهدَ زورٍ على معاناةِ الأشقّاءِ.
تعاملتْ بشرفٍ وثباتٍ، مؤكّدةً أنَّ السيادةَ الأخلاقيّةَ لا تقلُّ أهميّةً عن السيادةِ الوطنيّةِ.
قالتْها مصرُ بوضوحٍ: لنْ نشاركْ في ظلمٍ، ولنْ نُقايضَ المبدأَ بالمكسبِ.
وهذا وحدَه كفيلٌ بأنْ يكتبَ اسمَها في سجلِّ الدولِ التي وقفتْ حيثُ ينبغي الوقوفُ.
_ ارتدادُ الموقفِ المصريِّ على الساحةِ الدوليّةِ ..
الوقفةُ المصريّةُ لمْ تمرَّ مرورَ الكرامِ، بلْ أحدثتْ صدًى واسعًا في الأوساطِ الدبلوماسيّةِ العالميّةِ.
تلكَ السياسةُ المتّزنةُ، الممزوجةُ بالشجاعةِ الأخلاقيّةِ، ساهمتْ في اعترافِ أكثرَ منْ مائةٍ وعشرينَ دولةٍ بدولةِ فلسطينَ، وهو إنجازٌ لمْ يتحقّقْ بفعلِ الضغطِ، بلْ بفعلِ الإقناعِ والمصداقيّةِ التاريخيّةِ التي تمتلكُها القاهرةُ.
_ مصرُ… حارسُ الوعيِ العربيِّ ..
لمْ تكنْ مصرُ يومًا دولةً تبحثُ عنْ مجدٍ جديدٍ، فمجدُها ضاربٌ في الجذورِ.
لكنّها، في كلِّ أزمةٍ، تُذكّرُ العالمَ أنَّ القيادةَ ليستْ سلطةً بلْ مسؤوليّةً، وأنَّ منْ يحملُ عبءَ الأمّةِ يجبُ أنْ يتحدّثَ باسمِ ضميرِها.
لذلكَ، بقيتْ مصرُ حارسَ الوعيِ العربيِّ، ومركزَ الثقلِ الذي يُعيدُ للسياسةِ معناها الإنسانيَّ، وللدبلوماسيّةِ بريقَها الأخلاقيَّ.
_ خاتمةٌ :
وهكذا، أثبتتْ مصرُ أنَّ القوّةَ لا تكونُ في السلاحِ فقط، بلْ في الموقفِ الشريفِ الذي يُعيدُ للحقِّ صوتَه وللأرضِ أهلَها.
ففي زمنٍ عزَّ فيه الشرفُ، كانتْ مصرُ الشاهدةَ على الضميرِ، والناطقةَ باسمِ العدلِ، والضامنةَ لأنْ يبقى السلامُ ممكنًا، لا خرافةً في كتبِ السياسةِ.






































