أشرف كمال: بين الصّحافة والأدب، رحلة في محراب الرّوح والفكر
بقلم : سلمى صوفاناتي
في قلبِ مصرَ، حيثُ تلتقي الأنهارُ بصمتِ التاريخِ، وتتنفسُ الأرضُ عبقَ الأزمنةِ الماضيةِ، يطلُّ علينا صوتٌ لا يكتفي بالسردِ، بل يغوصُ في أعماقِ الروحِ الإنسانيةِ، يلتقطُ خفقاتِ القلبِ، ويكشفُ عن ثنايا النفسِ كما لو كانت مرآةً لوجودِنا. هذا الصوتُ هو أشرف كمالٍ، الصحفيُّ والأديبُ، الذي خطّطَ للكلمةِ كأنها جسدٌ حيٌّ، ونسجَ من الحبرِ جسورًا بين الحياةِ والفكرِ، بين الحدثِ والتأملِ، بين الصحافةِ والأدبِ.
_الصحافةُ: نافذةٌ على العمقِ الإنسانيِّ ..
ولادةُ أشرفَ كمالٍ في محافظةِ المنيا لم تكن مجردَ حدثٍ جغرافيٍّ، بل كانت بدايةً لمسيرةٍ عاشقةٍ للمعرفةِ والملاحظةِ الدقيقةِ للحياةِ. منذُ الصغرِ، التفتَ إلى تفاصيلِ الحياةِ، وأمعنَ النظرَ في صمتِ الأشياءِ وصخبِها، في ضحكاتِ البشرِ وآلامِهم، في فرحِهم وخيباتِهم.
في صفحاتِ جريدةِ الوفدِ، لم تكن كلماتهُ مجردَ تسجيلٍ للأحداثِ، بل كانت نوافذَ تطلُّ على عمقِ النفسِ والمجتمعِ، على الصراعاتِ التي تجري خلفَ الستارِ، على التناقضاتِ التي تشكّلُ بنيانَ الإنسانِ في مواجهةِ واقعهِ. كل مقالٍ يكتبهُ أشرفُ كمالٍ هو رحلةٌ استقصائيةٌ في الوجودِ، وكل تحقيقٍ هو انعكاسٌ لتجربةٍ فلسفيةٍ، يسائلُ فيها القيمَ، ويختبرُ فيها ضمائرَ المجتمعِ، ويبحثُ عن الحقيقةِ خلفَ طبقاتِ الوعيِ الجمعيِّ.
دورهُ في النقابةِ العامةِ للصحافةِ والطباعةِ والإعلامِ والكتابِ يظهرُ بوضوحٍ كمرشدٍ للأجيالِ الجديدةِ، ناقلًا لهم رسالةً أن الصحافةَ ليست مجردَ نقلٍ للأحداثِ، بل هي أداةٌ للتفكرِ، واستدعاءُ الفهمِ العميقِ للواقعِ، وإشعالُ شعلةِ الوعيِ في النفوسِ قبلَ العيونِ.
_الأدبُ: رحلةٌ في النفسِ والوجودِ ..
إلى جانب الصحافةِ، امتدَّ عالمُه الأدبيُّ، حيث وجدت روحهُ متنفسَها الأعمقَ، هناك حيث تتحولُ الكلماتُ إلى مرايا للنفسِ، والحروفُ إلى نبضاتِ القلبِ، والأحداثُ إلى تأملاتٍ فلسفيةٍ. في مؤلفاتهِ، نجدُ الإنسانَ في صراعهِ مع ذاتهِ، في مواجهتهِ للألمِ، في بحثهِ عن معنى وجودهِ وسطَ عبثيةِ الواقعِ.
_ إنكسارُ الفؤادِ ..
مجموعةٌ قصصيةٌ تكشفُ عن الانكساراتِ الداخليةِ للإنسانِ، عن لحظاتٍ تنهارُ فيها الأرواحُ تحت وطأةِ الحياةِ، لكنها لا تذوبُ، بل تبحثُ عن ذاتِها في حافةِ الألمِ. كل قصةٍ هي دراسةٌ في ضعفِ الإنسانِ وقوتهِ، في الفقدِ والاكتشافِ، في صمتِ الألمِ الذي يكشفُ الحقيقةَ الخفيةَ لكلِّ روحٍ.
_ اغتيالُ البراءةِ ..
يطرحُ السؤالَ الفلسفيَّ عن البراءةِ المفقودةِ في عالمٍ يموجُ بالمصالحِ والصراعاتِ، ويختبرُ ضمائرَنا أمامَ واقعٍ يختلطُ فيه الخيرُ بالشرِّ، ويغيبُ فيه النقاءُ. إنها رحلةٌ في النفسِ الإنسانيةِ، رحلةٌ تبحثُ عن الحقيقةِ في الظلالِ قبلَ أن تصلَ إلى الضوءِ.
_نزيفُ الروحِ ..
تسلطُ هذه المجموعةُ الضوءَ على المعاناةِ والخيباتِ النفسيةِ، لكنها تبينُ كذلك قدرةَ الإنسانِ على الصمودِ، على تحويلِ الألمِ إلى وعيٍ، وعلى مواجهةِ التجاربِ العصيبةِ بروحٍ تتجاوزُ الانكساراتِ المؤقتةِ. فلسفةُ أشرفَ كمالٍ هنا واضحةٌ: الألمُ تجربةٌ وجوديةٌ، ووسيلةٌ لفهمِ الحياةِ على نحوٍ أعمقَ.
_من وصاياها ..
نصٌ قصيرٌ، لكنه يفيضُ بالبلاغةِ والعمقِ، يعكسُ قدرةَ الكاتبِ على التعبيرِ المكثفِ عن المشاعرِ الإنسانيةِ، ويحوّلُ كل كلمةٍ إلى صدى لتجربةٍ حيةٍ، كل جملةٍ إلى تأملٍ فلسفيٍّ في العلاقاتِ والمعاني الكبرى للحياةِ._الصحافةُ والأدبُ: الجسرُ بين الفكرِ والحياةِ..
قدرةُ أشرفَ كمالٍ تكمنُ في تحويلِ كل مقالٍ صحفيٍّ، وكل تحقيقٍ، وكل نصٍ أدبيٍّ، إلى تجربةٍ فلسفيةٍ متكاملةٍ، حيث تتقاطعُ الصحافةُ مع الأدبِ، وتصبحُ الكلمةُ مرآةً للفكرِ والروحِ. في كل تحقيقٍ، نجدُ تأملًا وجوديًا، وفي كل قصةٍ، انعكاسًا لمراحل التجربةِ الإنسانيةِ، مسألةً مفتوحةً للوعيِ والتساؤلِ، لا مجردَ سردٍ للأحداثِ.
تجربتهُ تثبتُ أن الكلمةَ ليست أداةً للتواصلِ فقط، بل فضاءٌ للتأملِ، ومنصةٌ للتفكرِ في أسئلةِ الحياةِ الكبرى: الحريةِ والعدالةِ، الألمِ والأملِ، الحبِّ والخيانةِ، الوجودِ والغيابِ. في مقالاتهِ صدى الأسئلةِ الكبرى عن المجتمعِ والعدالةِ، وفي قصصهِ انعكاسٌ للألمِ والفرحِ، للحياةِ والبحثِ عن الذاتِ، للحظةٍ يكتشفُ فيها الإنسانُ معنى وجودهِ الحقيقيِّ.
_ تأثيرُه الثقافي والفكريِّ ..
إن أعمالَهُ، سواء كانت صحفيةً أو أدبيةً، تشكّلُ وعيَ القراءَ، وتحثُّ على التفكيرِ النقديِّ، وتفتحُ نوافذَ جديدةً لفهمِ المجتمعِ والثقافةِ في مصرَ والعالمِ العربيِّ. أشرفُ كمالٍ ليس مجردَ كاتبٍ أو صحفيٍّ، بل مرشدٌ فكريٌّ وقلميٌّ، يدعو القارئَ إلى استكشافِ أعماقِ النفسِ الإنسانيةِ، وإعادةِ النظرِ في الواقعِ، ومساءلةِ ذاتهِ في مواجهةِ العالمِ.
في معرضِ القاهرة الدوليِّ للكتابِ، حيث عُرضت مؤلفاتهُ، تجسدت قيمةُ تجربتِه الأدبية والفكرية، وأظهرَ كيف يمكنُ للكلمةِ أن تكون جسراً بين الواقعِ والمفهومِ، بين الحدثِ والتحليلِ، وبين الصحافةِ والفنِّ الأدبيِّ، بين الحياةِ والفكرِ.
_ خلاصةٌ فلسفيةٌ ..
أشرفُ كمالٍ نموذجٌ متكاملٌ للصحفيِّ المثقفِ والأديبِ الفيلسوفِ، الذي يوازنُ بين الواقعِ والفكرِ، بين الحدثِ والتحليلِ، بين اللغةِ والمضمونِ. مسيرتُه تذكّرُنا أن الصحافةَ ليست مجردَ نقلٍ للأخبارِ، بل تجربةٌ فلسفيةٌ، وأن الأدبَ ليس مجردَ حكي للخيالِ، بل دراسةٌ للنفسِ الإنسانيةِ في مواجهةِ الحياةِ بكلِّ تناقضاتها.
_الكلمةُ في حضورهِ تصبحُ مرآةً للروحِ، وسلاحًا للفكرِ، وجسرًا للإنسانِ إلى ذاتهِ وإلى الآخرينِ. وهكذا، يظلُّ أشرفُ كمالٍ شاهدًا حيًّا على قدرةِ الإنسانِ على المزجِ بين الحقيقةِ والجمالِ، بين الفكرِ والشعورِ، بين الصحافةِ والفلسفةِ.






































