مُحَمَّد بَسَّام رَيْحَان
يَنْثُرُ الْجَمَالَ بِمَاءِ الذَّهَبِ …
بِقَلَمِ: سَلْمَى صُوفَانَاتِي
لَمْ تَكُنْ رِيشَتُهُ الْأُولَى مَجَرَّدَ أَدَاةٍ، بَلْ كَانَتْ مِفْتَاحًا لِعَالَمٍ مِنَ الْأَسْرَارِ. عَالَمٌ يَسْكُنُ فِي صَمْتِ الزُّجَاجِ، يَنْتَظِرُ لَحْظَةَ الْوِلَادَةِ! “مُحَمَّد بَسَّام رَيْحَان” ذَاكَ السَّاحِرُ الَّذِي اسْتَطَاعَ أَنْ يَرْقُصَ بَيْنَ خُيُوطِ النُّورِ وَاللَّوْنِ، فَصَارَ كُلُّ انْحِنَاءٍ فِي رَسْمِهِ حِكَايَةً، وَكُلُّ لَمْحَةٍ فِي عَيْنَيْهِ وَعْدًا بِجَمَالٍ لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ. تَرَاهُ وَكَأَنَّهُ يَسْحَبُ الْأَلْوَانَ مِنْ عُيُونِ الْفَجْرِ، وَيَنْثُرُهَا عَلَى سَطْحِ الْبُلُورِ. فَإِذَا بِالزُّجَاجِ الْأَصَمِّ يَتَحَوَّلُ إِلَى لُغَةٍ تُنَاجِي الْأَرْوَاحَ! زَخَارِفُهُ لَيْسَتْ مَجَرَّدَ خُطُوطٍ، بَلْ هِيَ أَنْفَاسُ الْقُدَاسَةِ تَتَرَسَّمُ فِي مَاءِ الْوُجُودِ. وَأَمَّا حِينَ يَمُرُّ الضَّوْءُ خِلَالَهَا، فَإِنَّكَ لَا تَرَى قِطْعَةً فَنِّيَّةً، بَلْ تَسْمَعُ أُغْنِيَةً صَامِتَةً تَهْتِفُ: هَذَا مَا تَبَقَّى مِنْ جَنَّةِ الْأَرْضِ! كُلُّ ذَرَّةِ ضَوْءٍ تَتَحَوَّلُ إِلَى نَغْمَةٍ، وَكُلُّ انْعِكَاسٍ يَصِيرُ قَصِيدَةً تُنْقَشُ بِمَاءِ الذَّهَبِ.
يُتَابِعُ الْفَنَّانُ مُحَمَّد بَسَّام رَيْحَان حَدِيثَهُ الْمَشُوقَ عَبْرَ صَحِيفَةِ الرُّوَّادِ نِيُوزِ الدَّوْلِيَّةِ قَائِلًا:
كُلُّ لَوْحَةٍ زُجَاجِيَّةٍ هِيَ رِحْلَةٌ بَيْنَ عَالَمَيْنِ: الْعَالَمِ الْمَرْئِيِّ بِشَفَافِيَّتِهِ الصَّافِيَةِ، وَالْعَالَمِ الْخَفِيِّ بِانْعِكَاسَاتِهِ السَّحْرِيَّةِ. فَالْفَنَّانُ هُنَا لَيْسَ مَجَرَّدَ رَسَّامٍ، بَلْ إِنَّهُ سَاحِرٌ يَحْبِكُ بِفُرْشَاتِهِ خُيُوطَ النُّورِ، فَتَتَحَوَّلُ الْقِطْعَةُ الزُّجَاجِيَّةُ إِلَى كَائِنٍ حَيٍّ يَتَنَفَّسُ بِالْأَلْوَانِ. فَالرَّسْمُ عَلَى الزُّجَاجِ نَافِذَةُ الْأَرْوَاحِ إِلَى الْعَالَمِ. حِينَ تَلْتَقِي أَنَامِلُ الْفَنَّانِ بِسَطْحِهِ الْبَارِدِ، يَتَحَوَّلُ إِلَى شَمْسٍ تَشْرُقُ بِالْأَلْوَانِ. لُغَةُ الضَّوْءِ الَّتِي تَتَحَدَّثُ بِلَهْجَةِ التَّارِيخِ، وَتَحْمِلُ بَيْنَ طَيَّاتِهَا أَسْرَارَ الْحَضَارَاتِ.
مِنْ أَقْسَامِ الْكَنَائِسِ الْبِيزَنْطِيَّةِ الْمُظْلِمَةِ، حَيْثُ كَانَتِ الْأَيْقُونَاتُ تَتَأَلَّقُ كَنُجُومٍ فِي اللَّيْلِ، إِلَى قُصُورِ النُّبَلَاءِ فِي بُوهِيمَا وَأَلْمَانِيَا، حَيْثُ صَارَتِ اللُّوَحَاتُ وَسَائِلَ لِلتَّعْبِيرِ عَنِ الْجَمَالِ وَالْقُدْسِيَّةِ. لِيَرْتَحِلَ هَذَا الْفَنُّ الْعَرِيقُ مَعَ الْقَوَافِلِ الْعُثْمَانِيَّةِ، وَيَسْتَقِرَّ بِأَرْضِ سُورِيَا. فَيَتَحَوَّلُ إِلَى جُزْءٍ مِنْ هَوِيَّةِ الْمَدِينَةِ وَذَاكِرَتِهَا.
وَاجِبُنَا كَحَرَفِيِّينَ أَنْ نُحَافِظَ عَلَى هَذَا التُّرَاثِ مِنَ الِانْقِرَاضِ. لِكَيْ يَبْقَى هَذَا الْفَنُّ حَيًّا، خَالِدًا مَا دَامَ الزَّمَانُ. بِفُرْشَاةٍ صَغِيرَةٍ وَبَعْضِ الْأَدَوَاتِ الْبَسِيطَةِ أَرْسُمُ زَخَارِفَ هَنْدَسِيَّةً وَنَبَاتِيَّةً تُعَبِّرُ عَنْ رَوْعَةِ تُرَاثِنَا الْإِسْلَامِيِّ. لَا نُنْكِرُ وُجُودَ بَعْضِ الصُّعُوبَاتِ فِي الْحِفَاظِ عَلَى هَذِهِ الْحِرَفِ وَإِعَادَةِ إِحْيَائِهَا مِنْ جَدِيدٍ. بِسَبَبِ الظُّرُوفِ الِاقْتِصَادِيَّةِ الْخَانِقَةِ الَّتِي خَلَّفَتْهَا الْأَزْمَةُ السُّورِيَّةُ.
مَا أَدَّى إِلَى انْحِسَارِ السِّيَاحَةِ، فِي ظِلِّ ظُرُوفٍ لَا نَمْلِكُ فِيهَا نَاقَةً وَلَا جَمَلًا. مَازَالَ هُنَاكَ مَنْ يَرَى فِي الزُّجَاجِ لُغَةَ الْجَمَالِ.. وَمَازَلْنَا نَرْسُمُ الْأَمَلَ بِكُلِّ لَوْحَةٍ.
فَإِنْ كَانَ الزُّجَاجُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْكَسِرَ، فَإِنَّ الْفَنَّ الَّذِي نَحْمِلُهُ لَنْ يَنْكَسِرَ أَبَدًا…







































Discussion about this post