في يوم ربيعي دافئ، كانت إيناس، السّيّدة الجميلة ذات الابتسامة السّاحرة، مستغرقة في عالمها الخاص، تجلس في مكتبها الواسع المليء باالأوراق، تمارس طقوسها اليومية المعتادة في حلّ الكلمات المتقاطعة.
كانت تكتب بضع كلماتٍ لا ترتبط ببعضها تضعها جانبا لتجرّب بها حلّ الكلمات المتقاطعة، الّتي كانت بالنسبة لها، ملاذاً للخروج من روتين الحياة اليوميّة، تستمتع بكلّ لحظة تمرّ عليها، وتعيش في عالمها الخاص .
بينما كانت إيناس غارقةً في عوالم كلماتها المتقاطعة، لاحظها زميلها الوسيم، الّذي ظلّ معجباً بها بصمت لفترة طويلة، يتأمّل جمالها وينتظر الفرصة السّانحة للانقضاض عليها كذئب جائع.
وجد في تلك اللحظة فرصةً ذهبيةً للتقرب منها،
وكأنّه وجد ضالّته المنشودة. اقترب بخطى واثقة، وقلبٍ مليء بالإعجاب، وقال بجرأةٍ وثقة: “ما هذا الإبداع الّذي أراه أمام عيني؟ كلماتك تحمل بعداً رابعاً يجعلني أغرق في بحرٍ من الجمال الأدبي، وكأنّني أسبح في سماءٍ من الإلهام! أنت شاعرةٌ مدهشة، لا مثيل لك في هذا العالم.”
ابتسمت إيناس ابتسامةً خجولة، وهي تشعر بشعورٍ لم تعتد عليه من قبل، شعورٌ بالتّقدير والاهتمام. فعدّلت من جلستها، ونثرت شعرها الحريري الطّويل على كتفيها، وكأنّها أميرةٌ تتحضر لرقصة باليه.
قالت بتواضعٍ وثقةٍ يفوح منها رائحة إحساسٍ مرهف: “لقد بدأت الكتابة منذ زمنٍ بعيد، في سنٍّ مبكّرة، عندما كنت أبحث عن وسيلةٍ للتعبير عن ذاتي ومشاعري. لكنّني لا أحب أن أكون تحت الأضواء،
فأنا أكتب من أجل نفسي، ومن أجل المتعة الشّخصيّة. أكتب ما يجول في خاطري، دون الاهتمام بالشّهرة أو الانتشار.”
ردّ عليها زميلها بحماسٍ وإعجاب: “لا يجب أن تحتكري هذا الجمال الأدبي لنفسك، فكلماتك تستحقّ أن يراها العالم، وأن يقرأها الجميع.
غدًا، أحضري إحدى قصائدك الرّائعة لنشرها في الجريدة،
لدي صديق هناك، وهو صحفيّ موهوب، يستطيع مساعدتنا في نشر إبداعك. أنا متأكّدٌ أنّه سيقدّر موهبتك، وسيساعدك على الوصول إلى جمهورٍ أوسع.”
أمضت إيناس ليلتها وهي تكتب ماتظنه شعرا حتّى وقت متأخر من الليل.
في اليوم التالي، حملت إيناس بعضاً من كتاباتها، تلك الخربشات التي كانت تظن أنها غير مترابطة، لكنها كانت تحمل في طياتها مشاعرها وأحاسيسها. قدمتها لزميلها بإحساسٍ مرهف، وكأنها تقدم كنزاً ثميناً. وبعد أن تأملها بإعجابٍ شديد، طار بها إلى صديقه الصحفي، الذي رحب بها بحرارة، وأبدى إعجابه الشديد بقصائدها.
وفي اليوم الذي تلاه، فوجئت إيناس برؤية قصيدتها منشورةً على صفحات الجريدة، وكأنها حلمٌ تحول إلى حقيقة.
أخذت مشاعر الفخر والغرور تتملكها، لكنها في نفس الوقت شعرت بالمسؤولية تجاه موهبتها. أدركت أن كلماتها أصبحَ لها تأثيرٌ على الآخرين، وأنها أصبحت مسؤولةً عن إيصال رسالةٍ ما من خلال كتاباتها.
استمرت إيناس في الكتابة، وأصبحت قصائدها تملأ صفحات الجرائد والمجلات، وتنتشر بين الناس. تواصلت مع قريبتها، المذيعة الشهيرة والمحبوبة، وطلبت منها ترتيب مقابلةٍ تلفزيونيةٍ للحديث عن تجربتها الشعرية، وعن كيفية اكتشاف موهبتها، وعن رسالتها من خلال كتاباتها.
ظهرت إيناس على شاشة التلفاز، في برنامجٍ أدبيٍ شهير، وتحدثت بثقةٍ وحماسٍ عن إنجازاتها الأدبية، وعن حبها للشعر والأدب.
بدأ النقاد في إفراد صفحاتهم لتحليل قصائدها، التي لم تكن تفهم أبعادها بالكامل في البداية، لكنها مع الوقت أصبحت تدرك عمق معانيها. كانت تجيب عن الأسئلة بذكاءٍ ولباقة، وتستشهد بآراء النقاد، وتحاول أن تبدو بمظهر المتعمقة في الأدب، والمتمكنة من أدواتها الشعرية. مع أنها حقيقة لا تعرف ماذا تكتب
مع مرور السنوات، تحولت إيناس إلى رمزٍ من رموز الأدب الحديث في الوطن العربي، و أنتشرت دواوينها لتملأ رفوف المكتبات،
. كانت تصدر دواوينها سنوياً، وتحظى بشهرةٍ واسعة، ويتحدث عنها النقاد .
لكن في أعماق نفسها تقول هل أنا اضحك على الناس أم أضحك على نفسي أم الناس تضحك علي؟
سؤال لطالما أرق إيناس ولم تجد له جوابًا!
عبدالناصر عليوي العبيدي
Discussion about this post