(هذه السّنة صودِف أنّ صيامنا يجمعنا )
الدّينُ هو الضّمير
بقلم/ حسناء سليمان
في مناقشاتِنا العقيمةِ كنْتُ أعتبرُ عن اقتناعٍ أنّ :الدّين هو الضّمير …
وأقرأُ وأَلْمَحُ ، للأسف ،في عيونِ بعضِ النّاس الشّكَّ والاستخفاف بكلامي…
لقد سئمتُ أن أدحضَ رأيي بأساليبَ مختلفة لا تُقنع مَن يسمعُني…
حتى صرتُ أنزعجُ في وجودي برِحابِ مجتمع …
ألوذ فيه بالصّمتِ طويلًا الى أن يطفحَ كيلُ صبري … تنفكُّ عقدةُ لساني …
عندها لا أقوى على إسكاتِ الصّمتِ بالصّوتِ …في التّعبير عن رأيٍ مغاير وأشعر …أنّني محاصرة من كلِّ الجّهات…( بعدها يحزُّ بقلبي ندمُ ثورةٍ يليها هدوءُ مستكين …)
أأبتعد عن هذه التّجمّعات حيث أشعرُ بالغربةِ ؟
_ عادةً تُطيعني الحروفُ في الكتابة …يَعصيني الكلامُ أمامَ الجموعِ في بادئِ الأمر _ ثمَّ يُثيرني الحماسُ دُونَ نفعٍ أو نتيجة…
أتساءل هل أنا مَن يسير في دربٍ صعبٍ معوجّ؟…
وغيري ، يمشون في طريقٍ مستقيم ؟
كيف يحتمل هؤلاء النّاس اللّاعدالة ويسكتون عن سلبِ حقوقِ الآخرين و يشمتون بهم؟
ربّما أفكارُهم ومبادئهم لا تتجانسُ ولا تتشابهُ مع أفكاري ومبادئي _هل أنا المخطئةُ وهم على صواب ؟…-
من جملةِ الأخطاء، حدثَ مرّةً أنْ أهديتُ كتابي لشخصين أقدّرهما…
كتبتُ في مقدّمة الكتاب كلماتٍ نابعة من قَلْبي … انتظرتُ منهما تلميحًا بسيطًا على الأقلّ عمّا وردَ في المقدّمة ،لكنّهما لم يأبها للأمر…
حتى دفعني ذلك الى أن أتصوّر كيف سيرميان الكتابَ في مكان لا ترمقه عينٌ …
وتبقى حروفي مخنوقةً ، مهمّشةً وكأنّها لم تتبلّل من دموعي فرحًا أو حزنًا …
وكنْتُ دوما أقرّرُ أن أتعلّمَ و أبتعدَ ، لكنّني أعودُ وأرافقُ النّاس في حياتهم الغريبة…
أمّا اليوم فقد قرّرتُ أن أرافق أخواتي، -هنّ في قلبي أجمل ما في حياتي !…-
وتكون الرّفقة من نوعٍ آخر …
…نزلْنا معًا ، كنّا نريدُ أن نوضّبَ الزّعتر لسفر أختي …
وصلنا الى المحلّ واسمه يبدأ ب”سبا” في منطقتنا …
سألنا عن الكلفة وكالعادة لم تكن بخسة …
في اللّحظةِ تلك انقطعتِ الكهرباء …
أكملنا طريقَنا الى المدينة (طرابلس)نشتري بعضَ الأغراض…
رحنا نتوقّفُ ونسألُ عن مكانٍ لتوضيبِ الزّعتر وتفريغِ الأكياسِ من الهواء وتعقيمِها… هنا النّاس غرباء عنّا … وعندما نسألهم يتهافتون للمساعدة …
-أمّا في منطقتنا فكانوا كثيرًا ما يفتقدون لهذا التّعامل اللّائق مع الزّبون…-
نعم ،رحنا نتوقّف في عدّة أماكن والجميعُ يتعاونون بلطفٍ معنا …
وتبقى أكياسُ الزّعتر قابعةً في مكانها دون أن ترقدَ في أكياس معقّمة بانتظارِ السّفر …
آه!… ليتنا نجدُ وسيلة لذلك … وإذا بِنَا نقرأ قبالتنا : محمصة “زين”…
نَزلت أختي الّتي تقود السّيارة وعادت بسرعة تومئ برأسها بالإيجاب…
تبعتها أختي المزمعة أن تسافر … وإذا بهما ترجعان بعد لحظاتٍ ،تحملان الأكياس وقد ضَعُفَ حجمُها …
سترجع أختي ،قريبًا ،الى الغربةِ ،لكن مندهشة …
سألناها عن السّببِ وإذا بها تقول :
يا لرقيّ هذا الشّخص كم محلُّه نظيف !…_ وهي “الموسوسة “بالنّظافة _بعد أن وضعَ في المَيْزانِ الأكياسَ أعادَ إليها بعضًا من النّقود المترتّب عليها أن تدفعَها …
ليس لأنّ الأمرَ مادّيٌّ بالنّسبة لها بل لأنّه معنويّ ومميّز…
يتعلّقُ بالصّدقِ والقناعةِ والأخلاق…
قال لها : “لن أظلمَكِ سيّدتي “… وزنُ الزّعتر ليس كما ظننت “…
وأردَفَتْ تقصُّ علينا ما حدث وتقول: يا للفرق بينه وبينَ بعضِ أهالي منطقتنا !…
فبتعاملِ المرء مع النّاس تُعرفُ أصالةُ وأخلاقُ البشر …
قد يتشبّثُ الكُثر بأفكارٍ ،يصعبُ انتزاعُها ،كقشرة مشدودة الى شجرة سنديان …
منها :التّمسّكَ الأعمى بالدّين …
أمّا الدّينُ فهو الضّمير يا صديقي …( أتمنّى :أن تكون من رأيي قارئي…)
وهذا الشّخص الّذي التقينا به صدفةً هو صاحبُ ضميرٍ حيَّ …
يتحلّى بالصّدقِ ويتصرّفُ بمخافةِ الله …
وقد يكون في دينِنا مَن قلبُه متعلّقٌ بالمادّة الى أقصى الحدود…
يُسَخّرُ ضميره عشقًا وشغفًا وطمعًا بالمال … ويزدادُ جشعًا يومًا بعد يوم …
كم يسمو الإنسانُ بأعمالِه !…
أيٌّ منهما أخونا في الإنسانيّة ؟
أيٌّ منهما دينُه الله ؟
أيٌّ منهما صديقُنا في المحبّة ؟
وكان الجوابُ في قرارةِ ذاتي : الدّينُ يُكمّلُ الأخلاقَ في البشر…
كي لا أقولَ: أن الدّينَ هو من معتقداتِ الإنسان …
والدّينُ الحقيقي هو الضّمير …
دومًا نأخذ عبرةً من أمورٍ بسيطة تحدث معنا…
وهكذا شعرْتُ فعلًا : أنَّ الدّين الحقيقيّ هو نصاعةُ الضّمير…
(الإنسان ليس بكثرةِ الصّلواتِ التّمتمات
وبعدها يُسَلِّطُ اللّسانَ على أخيه الإنسان والقلبُ خالٍ من الرّحمة واليدُ منحجبةٌ عن الحسنات ، وعابد المال والسّلطة ومصالحه على حسابِ ضميره المفقود…)
الحسناء ٢٣ أيلول ٢٠٢١ (٢٣:٢٠)
Discussion about this post