قراءة تحليلية في قصيدة “قلبٌ يمسكُ بغيمةٍ بعيدةٍ” للشاعر علاء سعود الدليمي، كتبتها الشاعرة والمترجمة اللبنانية البرازيلية تغريد بو مرعي
التماهي بين العاطفة والصورة الحسية في قصيدة “قلبٌ يمسكُ بغيمةٍ بعيدةٍ”
القصيدة السردية التعبيرية هي شكل حديث من الكتابة الشعرية التي تجمع بين خصائص السرد والتعبير العاطفي العميق، حيث يعتمد الشاعر على التكثيف اللغوي، والانزياح الدلالي، والتشابك بين الزمان والمكان والمشاعر في سياق سردي يتجاوز حدود القص التقليدي. في هذا النوع من القصيدة، تتماهى الصورة الشعرية مع الحدث، مما يجعل النص أكثر حيوية وتأثيرًا، حيث تتشابك المشاعر والتجارب الحياتية ضمن بنية لغوية تقترب من روح السرد دون أن تفقد جوهرها الشعري.
يحمل العنوان “قلبٌ يمسكُ بغيمةٍ بعيدةٍ!” دلالة رمزية مكثفة، فهو يستحضر صورة شاعرية تجسد التعلق بالأمل أو الحلم رغم المسافة والبعد. القلب هنا هو مركز العاطفة والوجدان، والغيمة البعيدة ترمز إلى فكرة بعيدة المنال لكنها ما زالت متصلة بروح الشاعر. العنوان يتسم بطابع وجداني شفاف، حيث يجسد التوق والشغف والإصرار على التمسك بشيء قد يكون مستحيلًا لكنه حي في الشعور. استخدام فعل “يمسكُ” في مقابل “غيمةٍ بعيدةٍ” يعكس مفارقة جمالية تعبر عن محاولة المستحيل، وكأن العاشق يسعى لاحتواء ما لا يمكن احتواؤه، مما يخلق توترًا شعريًا يفتح آفاق التأويل منذ البداية.
تدور القصيدة حول تجربة عاطفية مكثفة تتشابك فيها المشاعر مع عناصر الطبيعة والحركة والصوت، ما يجعلها نصًا مفتوحًا على مستويات مختلفة من القراءة. يستهل الشاعر النص بوصف العاشق الذي ينساق وراء خيوط الحب المنسوجة من شغاف القلب، وهو تعبير يشي بتماهي المشاعر في نسيج الحياة اليومية. المشاعر في النص تتجاوز كونها مجرد إحساس داخلي، إذ تتجسد في صور حركية مثل الجري نحو “حقول الآمال”، حيث تتحول العاطفة إلى طاقة دافعة تسعى نحو التحقيق رغم العوائق.
المطر هنا ليس مجرد عنصر طبيعي، بل هو رمز للتجربة الشعورية التي تعيد تشكيل العلاقة بين العاشق ومحيطه. الطريق الذي تبلل بالمطر يصبح شاهدًا على معاناة الشاعر، حيث تتجسد المشاعر في صورة القدمين العاريتين اللتين تتعثران بالطين. هذه الصورة تحمل دلالات العجز والتحدي في آنٍ واحد، فالمطر قد يكون رمزًا للتطهير والتجدد، لكنه في ذات الوقت يجعل الطريق أكثر صعوبة، وهو ما يعكس الحالة العاطفية المتأرجحة بين الأمل والخذلان.
الانزلاق المفاجئ للسيارة يعكس لحظة توتر درامية تعزز الإحساس بالخطر والفقدان، لكن الشاعر يلجأ إلى اسم الحبيبة كملاذ روحي، مما يعكس مدى عمق العلاقة بين الحب والخلاص في وعيه. هذا الانتقال من الحدث الواقعي إلى استدعاء الاسم يضيف بُعدًا نفسيًا للنص، حيث يصبح الاسم رمزًا للأمان وسط اضطراب اللحظة.
على المستوى الفني، تعتمد القصيدة على التكثيف اللغوي والصور الحسية التي تتداخل فيها المشاهد الحركية مع الأحاسيس الداخلية. استخدام الأفعال بصيغة المضارع يمنح النص طابعًا ديناميكيًا يجعل القارئ شريكًا في التجربة الشعورية. كما أن توظيف الأسئلة، مثل “بأيِّ مشرطٍ تعيدُ نضارة وجهي؟”، يضفي على النص بعدًا حواريًا داخليًا يعزز التوتر النفسي والوجداني.
الهدف من النص يبدو واضحًا في التعبير عن معاناة الشاعر في غياب الحبيبة، حيث يتحول الحب إلى تجربة وجودية يتجلى فيها الصراع بين التمسك بالحلم والانكسار أمام الواقع. الحبيبة هنا ليست مجرد شخص، بل هي فكرة تتجاوز حدود الزمن والمكان، تتحول إلى قوة قادرة على منح الشاعر الحياة أو إغراقه في الذبول. الخاتمة تحمل ذروة الحميمية، حيث يصبح الدفء القادم من الأصابع قوة تذيب الشاعر في لحظة احتواء، وكأن العاطفة في النهاية هي الحل الوحيد لمعادلة الاغتراب والانتظار.
بهذه البنية المتشابكة بين السرد والشعر، يقدم النص تجربة وجدانية تتخطى البوح العاطفي المباشر لتغوص في عمق المشاعر الإنسانية، حيث يصبح الحب رحلة يتداخل فيها الحلم بالحقيقة، والغياب بالحضور، والانكسار بالتجدد.
نص القصيدة:
قلبٌ يمسكُ بغيمةٍ بعيدةٍ!
علاء سعود الدليمي
يجنحُ خلفَ خيوطِ حبها التي غُزلت من شغاف القلب؛ ليهرولَ جريًا نحو حقولٍ من الآمالِ! ذاتَ مطرٍ تبللَ الطريق؛ فخرجتْ مشاعري حافيةً تتعثرُ بالطينِ لتبلغَ الشارع المعبد! فلما أنزلقتِ السيارةُ لذتُ باسمكِ! بعدَ الدورانِ يسألني السائقُ من أسعفكَ؟ عندَ طاولةِ البوحِ ألفُ نبضةٍ تقفزُ بينَ الكلماتِ لتوسمَ الذكرى بجملةٍ تلتصقُ بظهرِ الغيمةِ حتى الموعد القادم! كــزرعٍ ينتظرُ الماء يذبلُ وجهي عبرَ أيامِ الغياب فبأيِّ مشرطٍ تعيدُ نضارة وجهي! دفءُ الأصابع تيارٌ يصهرني بينَ راحتيكِ.
Discussion about this post