هل جربت التناسي؟!
بقلم/ بشرى دلهوم
التَّناسي… تلك المهارة الغامضة التي نحاول من خلالها طمس آثار الماضي، أو على الأقل، التَّخفيف من وطأته. هو ليس نسيانًا حقيقيًا، لكنه أشبه بإغلاق نافذة على مشهد مؤلم، مع علمنا أنه لا يزال موجودًا خلف الزُّجاج.
نلجأ إلى التّناسي عندما يصبح الألم عبئًا ثقيلًا، عندما ندرك أن الذّكرى لن تزول لكنها يجب أن تُركَن في زاوية مظلمة من الذّاكرة كي لا تلتهم حاضرنا. قد يكون ذلك بسبب فقدان شخص عزيز، خيانة غير متوقعة، حلم لم يكتمل، أو حتى مرحلة من الحياة انتهت قبل أوانها.
لكن، هل التّناسي فعلًا حلٌّ فعال؟ أم مجرد خدعة نقنع بها أنفسنا كي نستطيع المضي قدمًا؟
في الواقع، التّناسي ليس ضعفًا، بل هو أحيانًا ضرورة. فمن غير الممكن أن نمضي في الحياة ونحن نحمل على أكتافنا أعباء الماضي، نكرر مشاهد الألم وكأننا عالقون في حلقة لا نهاية لها. إنه أشبه بمسامحة مشروطة، حيث لا ننسى تمامًا، لكننا نقرر ألا نجعل الذّكرى تسيطر علينا.
التّناسي يحتاج إلى شجاعة، إلى إرادة صلبة ترفض الاستسلام للألم. إنه ليس قرارًا يُتخذ بين ليلة وضحاها، بل تمرّد مستمر على الذّكرى، تدريب للعقل والقلب على تجاوز ما كان. قد يساعدنا في ذلك الانشغال، التّغيير، السّفر، القراءة، أو حتى إعادة تعريف أنفسنا بعيدًا عن ماضٍ نحاول دفنه.
لكن الحذر كل الحذر من أن يكون التناسي مجرد وهم. هناك فرق بين التّناسي والتجاهل، فالأول أداة للشفاء، والثّاني قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة.
إذًا، هل جربت التّناسي؟ وإن جربته، هل نجحت في خداع الذّاكرة، أم أن الذّكرى ما زالت تطلّ من خلف ستار النّسيان؟
هل جربت التّناسي؟!
أما آن للقلب أن يستريحْ؟ أما آن للجُرح أن يستبيحْ؟ سئمتُ المرايا تردّد وجهي كأنّي سرابٌ يمرّ ويفيحْ
تناسيْتُ وجهي، تناسيتُ صوتي تناسيْتُ شمسًا تعودُ فتجرحْ ولكنّ ظلي يُناديني سرًّا كأنّي بذنبِ التذكّر أُصلحْ
أحاولُ نسيانَ ما قد مضى وأحيا كطيفٍ مضى ثمّ راحْ ولكنّ دربي مليءٌ بصوتي وهمسي يسيرُ على كلّ جراحْ
فيا أيها القلبُ، هل مِن هروبْ؟ وهل ينفعُ العيشُ دون الذّنوبْ؟ إذا كان للماضي بابٌ بعيدٌ فلم لا يُغلقُ دونَ الدروبْ؟
ولكنّهُ دومًا يبقى قريبْ يعودُ كطيفٍ، كهمسٍ مريبْ فيا أيها الماضي، امضِ بعيدًا دعِ القلبَ يشدو، دعِ النّبضَ طيبْ!
بقلم الكاتبة بشرى دلهوم الجزائر
Discussion about this post