تعَدّ ليلة القدر من أهمّ ليالي رمضان، ويحرص المسلمون على الاحتفال بها، وذلك بطرق مختلفة بحسب بلدانهم ومجتمعاتهم.
في ليلة القدر، ليلة السّابع والعشرين من شهر رمضان، تختلف عادات أهل الجزائر من منطقة إلى أخرى. وبينما يلجأ جزائريون كثيرون إلى التعبّد في المساجد والإكثار من الذكر، يختار آخرون الاجتماع العائلي حول مائدة من ألذّ الأطعمة أو ختان أطفالهم. في المساجد، يُختم القرآن وتؤدّى صلاة التراويح، علماً أنّ القائمين على تلك المساجد يحرصون على تأمين أفضل القرّاء لختم القرآن وقراءة دعاء الختم. وفي منطقة أدرار جنوبي البلاد، على سبيل المثال، تكون ليلة القدر مناسبة لتزيين المساجد والصلاة حتى الفجر. فيقرأ المصلون القرآن، فيما تحضّر العائلات المجاورة للمساجد الطعام وتجلبه للمصلّين.
في منطقة البليدة شمالي الجزائر، تحتفل العائلات بصيام الأطفال لأوّل مرة في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، وسط عادات وتقاليد خاصة. وتصرّ العائلات على ليلة القدر لتحثّ أبناءها الصغار على صيام رمضان للمرّة الأولى، ومن شأن ذلك بالنسبة إليها أن يغرس في نفوس هؤلاء الصبر والقدرة على التغلب على الذات. ومن العادات التي ترافق الصيام الأوّل، بهدف ترغيبهم في ذلك ودفعهم إلى المواظبة على أداء تلك الفريضة، إقامة سهرة رمضانية يحضرها أفراد العائلة الكبيرة، على أن يتضمّن الاحتفال مشروب “الشاربات” التقليدي المحضّر من الليمون والماء والسكر وماء الزهر، بالإضافة إلى تقديم هدايا ونقود إلى الطفل. وثمّة عائلات تقدّم “الشاربات” لابنها الصائم للمرّة الأولى، من مكان مرتفع وفي إناء يحوي في داخله خاتماً من الذهب أو الفضّة، إشارة إلى رفع شأن ابنها وبهدف ترسيخ هذا الحدث في نفسه. يأتي ذلك وسط أجواء احتفالية دينية تتخلّلها دعوات من الجدّ والجدة وكذلك من الأمّ والأب، بدوام الصحة والعافية والنجاح في حياته المستقبلية. ولعلّ أبرز ما يميّز الطفل الصائم للمرّة الأولى عن أقرانه هو “البرنوس” الذي يرتديه في المناسبة، في حين يُصار إلى دهن يدَيه بالحنّاء وكذلك أيدي كلّ الأطفال الموجودين في الحفل. تجدر الإشارة إلى أنّه في هذه المناسبة، تستحضر العائلة الكبيرة، وعلى رأسها الجدّة، الأحداث الدينية بالإضافة إلى الحديث المستفاض عن ليلة القدر، التي أُنزل فيها القرآن على النبي محمد. ثمّ يعمد الجميع إلى الإكثار من الذكر والصلاة والدعاء.
وهذه اللّيالي المباركة هي همسات الوداع الّتي تقول أحسنوا وداع شهركم.. ضاعفوا الاجتهاد في هذه الليالي الباقية، أكثروا من الذكر… أكثروا من تلاوة القرآن… أكثروا من الصلاة، أكثروا من الصدقات، أكثروا من تفطير الصائمين… ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيرها. وتذكروا دائماً أن العبرة بالخواتيم، فاجعلوا ختام شهركم الاستغفار والتوبة، فإن الاستغفار ختام الأعمال الصالحة، متى يُغفَر لمن لا يُغفَر له في هذا الشهر؟ ومتى يقبل من رُد في ليلة القدر؟ متى يتوب من لم يتب في رمضان؟ ومتى يصلح من فيه من الجهل والغفلة إن لم يكن في رمضان؟ فتوبوا إلى ربكم، واستدركوا ما بقي من شهركم، وابك على خطيئتكم، لعلكم تلحقون بركب المقبولين. هنيئاً لمن كان رمضان شاهداً له عند الله بالخير، شافعاً له بدخول الجنة والعتق من النار، وويل ثم ويل لمن كان شاهداً عليه بسوء عمله، شاكياً إلى ربه من تفريطه وتضييعه، قال صلى الله عليه وسلم: “.. رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ..” رواه الترمذي. فودعوا شهركم بخير ختام، فإنما الأعمال بالخواتيم، فمن كان محسناً في شهره فعليه بالإتمام، ومن كان مسيئاً فعليه بالتوبة والمبادرة إلى الصالحات قبل انقضاء الآجال، فربما لا يعود على أحد منا رمضان مرة أخرى بعد هذا العام فاختموا شهركم بخير، واستمروا على مواصلة الأعمال الصالحة التي كنتم تؤدونها فيه في بقية العام، وقد أمرنا سبحانه بفعل الطاعات في جميع الأزمنة والأوقات، وقد سُئل بعض السلف عن قوم يجتهدون في شهر رمضان، فإذا انقضى ضيعوا وأساءوا، فقال: “بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان”. لأن من عرف الله خافه في كل زمان ومكان
ما أصعبها من لحظات ونحن تقف على آخر ساعات من شهر رمضان، دقات القلب تتسارع، وموعد الرحيل يقترب، وكأن إنسانا غاليا على قلبك يجلس بين يديك ويودعك بلا رجعة، لا أستطيع أن أصف لهفة القلب ودمعة العين في تلك اللحظات.
ها نحن على وشك أن نودع شهر رمضان، نودع نهاره المبارك، ولياليه الكريمة، أتى سريعا ومضى أسرع.
فالسلام عليك يا شهرنا الكريم، السلام عليك يا شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، السلام عليك يا شهر التجاوز والغفران، السلام عليك يا شهر البركة والإحسان، السلام عليك يا شهر التهجد والقيام.
Discussion about this post