واحة الصائمين
[ الحلقة السادسة والعشرون ]
هل يشتاق لنا رمضان
كما نشتاق إليه؟
ها نحن نقترب من وداع شهر رمضان، ونحن في ليلة السابع والعشرين، أرجح الليالي بأنها ليلة القدر، الليلة التي تُرفع فيها الأعمال، وتتنزل فيها الرحمات، ويفوز فيها المقبولون بفضل الله وعفوه.
وبينما تغمرنا مشاعر الحب والرهبة، نتساءل بعمق:
نحن نشتاق لرمضان… فهل يشتاق لنا رمضان؟
ننتظر رمضان بشوق كل عام، نفرح بقدومه كما يفرح العطِش بالماء، نبكي عند رحيله كمن يودع عزيزًا على قلبه. عشنا أيامه ولياليه في رحاب الطاعة، تذوقنا حلاوة الصيام، وعذوبة القيام، وعشنا لحظات من الروحانية النقية. ولكن ماذا بعد؟
كيف يستشعر رمضان شوقه للصائمين؟
لو كان لرمضان صوت يسمعه البشر، لكان يردد بحزن:
“كم كنت بينكم! كم كنت لكم معينًا على الطاعة! كم كنت لكم سترًا عن المعاصي! فهل تذكرونني بعد رحيلي؟ هل تبقون أوفياء لما عِشتموه في أيامي؟”
رمضان يشتاق لأهل الطاعة… أولئك الذين تلذذوا بالصيام، وارتفعت أرواحهم مع تلاوة القرآن، وأطالوا السجود ورفعوا أكفّ الضراعة. يشتاق إلى العابدين الساجدين، وإلى المتصدقين المنفقين، وإلى من غيّروا عاداتهم ليكونوا أقرب إلى الله.
لكن هل سيشتاق رمضان إلينا جميعًا؟ أم أنه سيرحل عن بعضنا دون أن يلتفت، لأنهم لم يُحسنوا ضيافته، ولم يحملوا منه سوى الجوع والعطش؟
علامات القبول… ومؤشرات الاشتياق!
قال الحسن البصري رحمه الله:
“إن من علامة قبول الحسنة، الحسنة بعدها، وإن من علامة ردها العودة إلى المعصية بعدها.”
إذا كنا حقًا من المقبولين، فإن رمضان سيظل حياً فينا، وستبقى طاعاته معنا حتى بعد رحيله. فمن حافظ على قيام الليل، ومن واصل قراءة القرآن، ومن بقي قلبه معلقًا بالمساجد، فهو ممن اشتاق إليهم رمضان وسيشتاق إليهم في الأعوام القادمة.
كيف نحافظ على اشتياق رمضان لنا؟
المحافظة على الصلوات في وقتها، وأداء السنن كما كنا نفعل في رمضان.
الاستمرار في قيام الليل، حتى ولو بركعتين بعد العشاء.
عدم هجر القرآن، فقد كان نور قلوبنا في رمضان، فهل سنطفئه بعده؟
صيام التطوع، كستة أيام من شوال، وصيام الاثنين والخميس، والأيام البيض.
الاستمرار في الصدقة، فإن كانت قلوبنا رقّت في رمضان، فلا نجعلها تعود إلى قسوتها.
حفظ اللسان والقلب، فلا نعود للغيبة والنميمة وسوء الظن بعد أن طهّرنا ألسنتنا طوال الشهر.
هل كنا عُبّادًا لرمضان أم عُبّادًا للرحمن؟
الفرق كبير بين من كان يعبد رمضان، فلا يعرف الطاعة إلا فيه، وبين من كان يعبد الله، فيثبت على الطاعة في رمضان وبعده. فلنسأل أنفسنا: هل تغيرت قلوبنا؟ هل ازددنا قربًا من الله؟ هل سنستمر على هذا النقاء؟
قال رسول الله ﷺ:
“من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر.” (رواه مسلم)
وهذا الحديث إشارة واضحة إلى أن العبادة لا تتوقف بانتهاء رمضان، بل تمتد بعده لتُكمل المسيرة.
رمضان لا يرحل… إن بقي أثره فينا!
إذا حافظنا على روح رمضان، فهو لم يرحل عنا، بل بقي في قلوبنا وسلوكنا. وإذا عدنا إلى ما كنا عليه قبله، فهو لن يشتاق إلينا كما نشتاق إليه.
فلنجعل رمضان نقطة انطلاق لا محطة توقف!
ولنجعل أثره في حياتنا دائمًا، فلا نكون ممن يُضيّعون كنوزه فور انتهائه.
ختامًا… سؤال يحتاج إلى إجابة:
هل نحن ممن اشتاق إليهم رمضان… كما اشتقنا إليه؟
اللهم اجعلنا من المقبولين، وبلغنا رمضان أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة، وارزقنا بركته في حياتنا حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا.
انتظرونا في الحلقة القادمة من “واحة الصائمين”!
كل عام وانتم بخير
Discussion about this post