المخرجون القدامى يعيدون توزيع أسطوانة الرّقص لتكون أكثر وقارًا
بقلم الأديب الدكتور … شعيب خلف
الليل الليلة كان طويلاً كعادته ، النّوم كان شاردًا في الحقول المجاورة لذاكرتي ، السّكّر يذوب في الشّرايين بكثافة، والتّنميل يرقص فوق أصابعي السّكارى بحرّيّة مطلقة، فيتوقَف القبض والبسط لساعات ، أبي هو الآخر توقّف عن زيارتي في المنام منذ فترة، لعلّه لم تعجبه أفعالي الأخيرة ، كان يخصّني بالزّيارة لأنتبه، ويلعب مع حفيده لعبة القره جوز ، ويعلّمه الكتابة على الحجر، وكيف يصبّ الماء اليابس من الزّجاجة ، وكيف يخبّئ الأرض من اللصوص ، حين يراهم بملابسهم الأنيقة ، وكيف يضع الأسئلة في الجرح حين يفاجئه الموت وحده وهو واقف مع كبرياء الفقر .
ساحة القلب معتمة ، والمهرجان اقترب ، المخرجون القدامى يرقصون بذمّة وضميرين، يشرفون على وضع قطع الدّيكور في بذلاتها الأنيقة، ويعيدون توزيع أسطوانة الرّقص لتكون أكثر وقارًا، ويضعون (خيال المآتة ) على أوّل الحقل، ويصنعون أذانًا صاغية من طين المزرعة الجبانة، ويتبادلون الاعتناء بالضّمير الغائب حتّى لا يفشو اللحن في نباح الكلاب . ونلتقي جميعًا عند حاجب الباب “ذي الوجه المقلوب متعدّد الأشكال “.
أيّها الحارث : السّنبلة الّتي في يدك لا تعمي عيني عن رؤية رأس البقرة الّتي فوق عنقك، والثّعابين الّتي تطلّ من الإفريز الخارج من جلدك الأسمنتي ، لا يمكن أن تكون بنت الأرض، ولا ما ينفخه حاملو المزامير هو النّشيد المقدّس الّذي نحفظه منذ زمن طويل، ولا يمكن أن تستجيب المرأة لمغازلتك الميتة وتحت الوسادة تنام وردتك الواردة الآن من حديقة المنفى .
لا توهمني يا سيّدي أن الموتى يخلطون بين الظّلام والنّور، ولا حتّى بين صور الضّحايا المنمّقة فوق الأواني الفخاريّة ، وفوق الطّرق الدّائريّة، سكت بعد أن سلمت كلاب الصّيد فمي بالأربطة للمحكمة الّتي في آخر الشّارع، بطريقة أسرع من الظّلّ ، الماء يدخل مزرعة العطش حافيًا، فتندسّ الشّقوق تحته ، ويموت القرين الّذي ينتظر الفطائر من مؤخّرة النّملة العملاقة على الشّاطئ الغربيّ لبحيرة السّرور ، راقصو التّنّورة يصنعون دوائر في الرّيح حسب تعاليم الرّب، لتظلّ الشّعرة الباقية حديث الملقّن مقطوع اللسان بين النّص وبين الخشبة المظلمة، لتستمرّ سعادة الأطفال الميتة لحظة التقاط الصّور.
المزرعة اللعبة، لا تتّسع لكلّ كلاب الصّيد المندسّة في جيب الكفن، هناك تحت سرير الفتنة ، دَرْدَاب الطبّل لا يسكت هَزِيرَ الرّيح مهما بلغت رشاقة رقصة الموت ، التّاريخ لا يباع على المقاهي كالشّاي الأخضر، والضّمائر لا يمكن أن تبقى طول الوقت مخنوقة في كتب الطّبخ، السّرّ صار واضحًا، والعلانية مدسوسة في الجدار، لا يهمّ طالما الصّمت رفض الرّكوب فوق براق النّبي في رحلة الجهر بالدّعوة ، وصارت مِدَقّات الرّكض هي الطّرق الرّئيسة للسماح للحيتان مرّة أخرى بالمشاركة في العدو .
بقلم الأديب الدكتور … شعيب خلف
Discussion about this post