د.كمال يونس يكتب:
لكأنّما تآخت و الشّيطان ،يتشاركان الأنفاس ،رغم نشأتها في أسرة ميسورة إلاّ أنّها لم تك تنظر إلى ما أنعم الله به عليها ،فاحترفت السّرقة، توجتها بخطف زوج صديقتها جارتها الوسيم سليل الحسب والنّسب ،مستخدمةً السّلاح التّقليدي للأنثى اللّعوب بين الإغواء و الاستعطاف، ليطلق امرأته بمكيدة منها ، بل وأرغمته على تجرديها من طفلها ذي العامين لتقطع كل صلة لزوجها بمطلقته الّتي سرعان ما تزوجت ،ذاق الطّفل صنوف العذاب على يديها ، لكن ما يؤرقها هو إقامتها في الفيلا الكبيرة مّع حماتها الهانم الرّاقية المسنّة أم زوجها البار، المسافر دوماً في مهام عمله ، ومعها شقيقه الأصغر المدلل الأكول السّمين ، رزقها الله بطفلها الأول ، واتخذت من ابن زوجها خادماً لها ولابنها أخيه غير الشقيق ، وحدّدت مكان نومه بغرفةٍ في حديقة الفيلا، شديدة البرودة ، سقفها تتسرب منه الأمطار في الشّتاء ، كثيراً ما انتقدت الجدة الهانم التصاق الابن البكر بأمه ، هروبه الدائم من المدرسة ، وتلذذه بتعذيب الحيوانات الأليفة وخنقها حتّى تموت ممّا أغاظها بشدّة ،فَلَكَمْ ضاقت بانتقادها لها ،ووسمها باللّصوصية ،إذ تشجع الولدين على قطف ثمار حدائق الجيران ،والاستيلاء على أيّ شيء تطاله أيديهم، حتّى وسمهما الجيران باللّصوص، فتحاشاهم و قاطعهم أبناء الجيران ، وبادرت بتزويج ابنها الوحيد في المنزل ، سرعان ما ضاقت زوجته بالهانم ،فأجمعتا أمرها وابنها على التّخلص من الهانم، ولا جدوى من انتظار موتها ، فهي من عائلةٍ معمرة ، فدسّوا لها جرعات كبيرة من أحد أدوية القلب الّتي وصفها طبيبها مما عجّل بموتها ،ولم يشك طبيب الصّحة فالهانم طاعنة في السّن ،وتوفيّ بعدها ابنها حزناّ عليها ، وتلتفتوا فلم يجدوا شريكا في الميراث سوى الأخ غير الشّقيق لابنهما وقد تطوع في الجيش، ولم يستدلوا على أثره ، و الأخ الأصغر الأكول السّمين المدلل شقيق الزّوج الدّائم السّهر مع أصدقائه ،والّذي لم يدخن سيجارة في حياته ، ودسّوا مخدرات في طعامه، ثم كتموا أنفاسه بوسادة حريرية حتّى فارق الحياة بلا مقاومة، صرّح طبيب الصّحة بالوفاة بعد أن أخبروه أنّه كان يرافق شلّة من الأشقياء، تلفتتا فوجدتا نفسيهما متنافستين على حبّ الابن ، فعاملتها زوجته بإزدراء عندما أيقنت أنّها صارت عبئاً ثقيلاً عليها ، حتّى يخلو لها وجه زوجها ، وخاصةً أنّها لم ترزق بأطفال ، وحماتها دائماً ماتعايرها ،وقد خشيت على نفسها من غدرها ،فقد تزّين لابنها زواجه من أخرى لعلّه يرزق بأطفال ، وكن إذا جلسن على مائدة الطّعام لا تمد إحداهن يديها إلاّ بعد أن يأكل من الطّعام أولاً ،مرّة من يد زوجته، ومرّة من يد أمه ، وقد اعتاد هذا فلم يلق لذلك بالاّ ،معتبراً إياه تنافساً نسائياً للإستئثار بحبّه ووده واهتمامه ، وأدمن الحشيش و الأفيون لعلّه يظفر بنومٍ مريحٍ لم يحظ به منذ قتلهم لجدّته وعمّه ، عاشتا معاً في توجّسٍ وقلقٍ وريبةٍ وشكّ فلم يكن يشربن أو يأكلن أيّ شيء إلاّ من صنع كل واحدة لنفسها ، ألحّت على زوجها أن يذهبا للطّبيب لعلّ الله يرزقهما بطفل ، داومت الزّوجة على العلاج ،وبعد ثلاثة أشهر ذهبوا للطّبيب مصطحباً أمّه ، معهما لتكشف عند طبيب مشهور بذات البناية ،وكم كانت سعادته وأمّه حين علموا بحمل الزّوجة الّتي انتابتها نوبة بكاء ممزوجة بفرحٍ عارمٍ ، وعدهم بعمل عمرة وحج تعبيراً عن فرحته وأثناء عودتهم بسيارته مروراً بالطّريق الزّراعي الضّيق وصولاً إلى الفيلا اصدم بمؤخّرة مقطورة جرار زراعي كانت تحمل كتلاً من الأحجار الجيرية الثّقيلة الّتى وقعت على سيارتهم الّتي تحطمت تماماً وهم صرعى بداخلها ، وهاهو الشّريد المعذّب الهارب يعلم من أحد أبناء الجيران الّذين إلتقى بهم في الجيش بموت عائلته ،بكى وهو يضرب كفاً بكف ،واستلم إرثه وباعه وأقام بعيداً عن موطن الذّكريات البائسة.
Discussion about this post