(في عتمة الحافلة )
سلسلة قصصية
بقلم:
تيسيرالمغاصبه
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الملائكة قادمون
-٢-
كان يومًا من أيّام الصّيف الحارّة جدّا ،كان كلّ من في الحافلة من كبار السّن يشعرون بالضّيق من الحرّ الشّديد ؛بالطبع ماعداي أنا وصديقي القزم الظّريف و..الأطفال.
حيث كنّا نتبادل النّكات والطّرائف حينًا بصوت خافت ،و آخر بتشجيع من صديقي يعلو صوتنا لأبعد مدى محاولين إضفاء اجواء من المتعة والسّعادة على الآخرين من غير الأطفال ..كالأمّهات والفتيات ، خصوصا أنّ أغلب المسافرين كانوا من الأطفال.
كانت فئة من المسافرين وهي فئة الأطفال الأصغر عمرا حيث أنّ قسما منهم يختفون في مقاعدهم ،وفئة أخرى تقف في الممر ،وفئة منهم يجرون في الممر وينطنطون فوق المقاعد.
ومنهم من كانوا يقفون ويراقبون عن كثب ويخزّنون إنطباعهم في الذّاكرة ويحفظونها،ومنهم من كانوا يراقبون ويبتسمون دون أن يشاركوا .
أمّا أنا وصديقي القزم والمهووسين جدّا بوجوه الأطفال نقاوم فتنتهم بعد أن بدأ إحتفالنا من أوّل مقعد أمامنا ،حيث الطّفلة مرام أوّل من سمعت نكاتنا وشاركتنا احتفالنا.
استمرّت حركاتنا التمثيليّة، وسرعان مابدأت الألفة والمحبّة حتّى إنتقلت إلى جميع الأطفال في الحافلة.
استمرّ الضّحك والمزاح وتبادل النّكات ليتجاوز الكلام إلى الأيدي ،ورمي الأشياء من مقعد إلى آخر ،أحد زملاء السّفر قال ضاحكا:
-أنا حكيت إلكو من الأول إنو الاولاد مابطمعوا ههههههه؟
إنتقلنا إلى لعبة الطماية ” الاستغماية” ولعبناها بين المقاعد ،ضحك الجميع عندما سقطت علبة بسكويت فارغة في أحضان سائح أجنبي واحتج بكلمات إنجليزية لم نفهما.
إمتلأت بطوننا من الحلوى والبسكويت والشيبس وغير ذلك مما كان يحمله الأطفال في حقائبهم الصّغيرة، فقد كانوا يتنافسون على إطعامنا من كلّ ما يحملونه معهم.
نأخذ من أيديهم ما يقدّمونه لنا محرجين بعد أن يقول الطّفل :
-خذها وللا بزعل منك؟
وهي عبارة كافية للاستسلام.
كان يوجد مع أحد الأطفال كرة صغيرة ،عرض علينا اللعب بها بدل العلب الفارغة ،
سرعان ما اشتركت أيدي جميع المسافرين ،والجميع أراد المشاركة ،رجال..نساء..فتيات..وحتّى كبار السّن.
في إحدى المرات إرتطمت الكرة برأس قائد الحافلة الّذي كان خال من الشّعر وضحك بصوت مرتفع وأراد تكرار ذلك.
وكان له ماأراد ،وعمّت الهستيريا في كامل الحافلة، وانتقلت الكرة من يد إلى أخرى..من مقعد إلى آخر، وإزداد عدد الكرات والبلالين والصّفّارات الّتي لم نعلم من أين ظهرت،وجرى الأطفال فوق المقاعد وفوق الأكتاف، وفوق الرّؤوس ،وعبثوا بتسريحات الشعر ،صفعوا الرؤوس “الصلعاء” ،نزعوا غطاءات رؤوس النساء المحجبات، وبدأت تعلو ضحكات النّساء الخجلة، إستمر صوت الضّحكات، وأخذ يعلو ..ويعلو..ولم يتنبه أحد إلى أن الحافلة قد جاوزت محطّتها الأخيرة بكثير ،تجاوزت محطة الوصول، وقد حلّقت في السماء كالطائرة تماما..حلّقت في سماء الفرح والبراءة..والطفولة بعيدا عن الهموم والأحزان.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وصلت الحافلة إلى مقرّ شركتها في عمان ،بدأ الأطفال لمصافحتنا ومعانقتنا وتقبيلنا كأنّنا من مشاهير النّجوم .
بل بعضهم بكوا أثناء توديعنا ولايريدون أن يفارقونا.
لقد شعرت بسعادة غامرة لأوّل مرة في حياتي ، من بين الأطفال ظهرت الطّفلة مرام وجرت إليّ معانقة ومودّعة فتصرفت كما وإنها فتاة ناضجة و..وقبل مغادرتها أخذت قطعة من قلبي معها، بقيت مرام في الذّاكرة إلى هذا اليوم.
“إنتهت القصة ”
وإلى قصة أخرى
بقلم … تيسيرالمغاصبه
Discussion about this post