سلسلة تسرد
التُّراث الشَّعبي في رمضان
بقلم/ د. دعاء محمود
رمضان شهر كريم، يعم بالخير، والإحسان لكل بقاع الأرض قاطبة.
شهر يسعد فيه الفقراء، تكثر فيه الخيرات، تبتهج الأرض بقدومه الكريم.
روحانيات رمضانية في كل مكان، ومن أهم هذه الروحانيات؛ التكافل الاجتماعي، والتَّواد بين الناس.
ومن أهم الموروثات التي نعيش عليها حتى الآن تراثنا من الدَّولة العثمانية.
امتدت الإمبراطورية العثمانية لتشمل 3 قارات (آسيا وأوروبا وأفريقيا) وسبع بحار واستمرت 600 سنة، وكان لشهر رمضان مكانة مميزة عن باقي الأشهر عند العثمانيين فهو شهر البركة والخير لجميع المسلمين، وكان رجال الدَّولة العثمانية يفتحون قلوبهم وأبواب بيوتهم لكل المحتاجين، والفقراء دون تفرقة أو تمييز عنصري في هذا الشَّهر الفضيل.
وهذه أهم العادات والتَّقاليد العثمانية في شهر رمضان المبارك:
١- وثيقة التَّنبيهات في رمضان
في بداية شهر رمضان كان السُّلطان يصدر وثيقة خاصة بالشَّهر مكونةً من عدة نقاط لتنبيه النَّاس على مراعاة بعض القواعد التي يتم تطبيقها بحرص وقبل حلول الشَّهر بأسبوعين.
ويأمر السُّلطان حسب نص الوثيقة بتشكيل هيئة لمراقبة الأغذية في الأسواق وتنظيم أسعارها، كما كان يقوم بنفسه باختيار نوعية القمح الذي سيصنع منه الخبز للناس وتحديد وزنه وكمية الملح التي تضاف إليه، وإذا نال الخبز إعجاب السُّلطان، وأهل الخبرة في القصر، يأمر بأن تبدأ الأفران بخبزه وبيعه للناس.
كما كان من ضمن تنبيهات الوثيقة ضرورة حفاظ النَّاس على صلاتهم في المساجد وأن يصوم المسلمون جميعًا شهر رمضان كله إلا من كان لديه عذر، وأما بالنسبة إلى غير المسلمين فيجب عليهم عدم تناول الطَّعام والشَّراب في الشَّوارع في نهار رمضان.
٢- زيارة جناح “الأمانات المقدسة” الخاصة بالنَّبي محمد ﷺ
ومن العادات الرَّمضانية الخاصة التي كانت تقام في العهد العثماني، زيارة السُّلطان لجناح يعرف باسم جناح “الأمانات المقدسة” في قصر الحكم قصر “طوب كابي”، وهذا الجناح جزء من القصر يتم الاحتفاظ فيه بأغراض تعود لسيدنا محمد ﷺ وصحابته الكرام، وذلك في اليوم الثَّاني عشر من شهر رمضان، وكان يتم تنظيف غرفة تعرف باسم “غرفة البردة” التي تحتوي على أغراض النَّبي مثل: بردته، ورايته الشَّريفة، وخصلات من لحيته الشَّريفة، وكانوا يغسلونها بماء الورد ويعطرونها بالمسك والعنبر.
٣- دفتر الدِّيون
ومن العادات الجميلة أيضا التي تظهر التَّعاون والتَّكافل الاجتماعي بين النَّاس ومساعدة الآخرين في العهد العثماني وخصوصًا في شهر رمضان، هي تسديد ديون البقالة والباعة، فيدخل الشَّخص إلى أي بائع، ويطلب من البائع فتح دفتر الدِّيون ويختار اسمًا عشوائيًا ويسدد جميع ديونه.
٤- المشاركة في أعلى مستوياتها
ومن العادات المشهورة أيضًا تزيين موائد الإفطار الرَّمضانية بأنواع مختلفة من الأطعمة والمشروبات التي نجدها في المنازل الخاصة، أو في الشَّوارع والطرقات، حيث يتم استضافة الفقراء، المحتاجين، الغرباء، وغيرهم لتناول الطَّعام وتوزيع الصَّدقات والهدايا عليهم.
٥- أجر الأسنان
وفي العهد العثماني كان لا يرد من يدق الباب عند وقت الإفطار، وكان النَّاس يتسابقون في رمضان لتقديم أفضل ما لديهم لعامة النَّاس، كما كانت تقدم للضيوف هدايا بعد الانتهاء من الطَّعام، وكانت تسمى “أجر الأسنان”، بسبب إجابة النَّاس للدعوة مما يكسب صاحب الدَّعوة الأجر والثَّواب.
٦- الفنون التَّرفيهية
أما وقت التَّرفيه فيأتي في المساء بعد الإفطار، وهو من أجمل الأوقات التي يقضي فيها الناس أوقاتًا مرحةً مليئةً بالبهجة والسُّرور، وبعد الإفطار تزدحم الشَّوارع بالمارة فمنهم من يقضي وقته داخل المقاهي ويتناول القهوة ويستمع إلى راوي الحكايات، ومنهم من يذهب إلى عروض مسارح العرائس لمشاهدة العروض التي تعرف باسم “كاراجوز” أو “خيال الظل”، وهي من الفنون الشَّعبية المشهورة في العهد العثماني.
٧- مدارس تحفيظ القرآن
تبدأ هذه المدارس مع بداية الشُّهور الثلاثة الفضيلة وتنتهي بانتهاء العطلة الصَّيفية.
٨- منع رفع الأسعار
تبقى أسعار المأكولات والمشروبات والمنتجات الأخرى تحت مراقبة الدَّولة، وخصوصًا في شهر رمضان، وتعمل على تخفيض الأسعار في هذا الشَّهر الفضيل.
٩- صيام العصافير
أي الأطفال الذين لا يستطيعون إكمال صيام اليوم لصغر سنهم؛ فيتم تفطيرهم، عند الظهيرة ويسمى هذا ب “صيام القارب” أو ( تكنة أوروجو )، وكانوا يحببون الأطفال في الصيام؛ بالهدايا، والنقود حتى يتم تشجيعهم على الصيام.
١٠- المسحراتي
عادة تنتشر منذ القدم وحتى اليوم، وكان المسحراتي يطوف بالشَّوارع ليذكر النَّاس بدخول وقت الإمساك عن الطَّعام والخروج لصلاة الفجر.
عادات إسلامية تنتشر في ربوع الدَّولة العثمانية، وقد ورثنا منها الكثير حتى الآن.
رمضان هَلَ علينا بالخير واليمن والبركات، فأدِم لنا الخير، والبركة يا الله.
الكاتبة الصحفية/ د. دعاء محمود
مصر
دعاءقلب
Discussion about this post