” حين نلتقي ۔۔۔ ”
حين يطول الغياب،
تسألين: متى نلتقي؟
وأجيبكِ في لغةٍ مُمزَّقةٍ
بين سطورِ الانتظار:
حين ينسحب الزمانُ بعيدًا
عن فوضى الطيور،
ويغسلُ الفجرُ جراحَ الوجعِ المتراكم في العيون.
حين يُطفئ الليلُ لهيبَ الحروبِ،
ويعودُ صوتُ القلبِ مستترًا
تحت ثقلِ الصمتِ الحزين.
تسألين عن سكونِ الحروب،
وأنا في سُباتِ السؤالِ،
أجيبكِ بحروفٍ تائهةٍ، تبتلعها الرياحُ:
حين يسكن الألمُ في بئرِ العدم،
وحين تُغلقُ أبوابُ الجروح،
وتُلفظُ الأرضُ آخرَ عثراتِها.
كل وعدٍ نطلقه في الهواء،
هو سرابٌ في صحراءِ الشوقِ،
نحن يا سيدتي، أكثرُ من بقايا ظلٍ مُبعثرٍ
وأقلُّ من حلمٍ يتساقطُ بين يديِّ الزمان.
نحن مسافرون في ليلٍ طويلٍ،
نلتقي حين يُبصرُ النورُ عيوننا من جديد.
لكن، لا تسألي عن الزمانِ الذي سيجمعنا،
فهو ملاذٌ أبديٌ في اللامُتناهي،
يأتي من حيث لا نعرف،
ويغيبُ حين نشعرُ به أكثر.
إلى ذلك اليوم،
سأبقى أكتبكِ على جدرانِ العيون،
أبني لكِ وطنًا من سطورٍ مكسورة،
وأرسل إليكِ سلامًا مكتومًا
كلما لمحتُ في الأفقِ شبحَ اللقاء.
وعندما تعودي وتستفهِمينَ مجددًا: متى؟
سأجيبكِ في صمتٍ عميقٍ:
حين ينتهي الصراعُ بين القلبِ والعقل،
ويهدأ الكونُ من هيجانه،
نلتقي،
ولكن حينما تكتمل المسافةُ بيننا،
سيتنفسُ الغيابُ.
حين يسكنُ الليلُ الأعماق،
ويتسللُ الظلامُ إلى عيوننا،
يعود الصوتُ ضائعًا بينَ أصداءِ الجراح،
ويُفتحُ بابُ الأملِ في لحظةِ انتظارٍ متفجّرةٍ.
لكن لا تظني أن الحروفَ التي تَرَسَمُها اليدُ
هي ذاتُ الحروفِ التي يشتهيها القلبُ.
إنها أضغاثُ أحلامٍ
ينسجها الصمتُ على مشارفِ العزلة.
أنتِ التي تسألينَ عن موعدِ اللقاء،
لكنني أراكِ لا تطلبين الزمانَ،
بل تبحثين في الحروفِ عن مسارٍ للحبِّ
الذي طالما تمزّقَ على مفترقاتِ العيون.
نحن لم نعد بحاجةٍ إلى تواريخٍ
ولا لزمنٍ يتجاوز أفقَ الذاكرة.
بل نبحثُ في عيوننا عن لقاءٍ أبديٍ
أبعد من كلِّ سطرٍ كتبناهُ
وأعمقَ من أيةِ لحظةٍ عشناهُ.
حين نلتقي،
لن يكون للزمانِ قيمةٌ،
ولا للمكانِ أهميةٌ،
ففي لحظتنا تلك،
سنكونُ نحنَ وحدنا في فراغٍ ضيّقٍ
يملأه صمتُ السنين،
ونحيا فيه كما لم نحيَ من قبل.
لكني لن أخبركِ عن الزمانِ الذي ينتظرنا،
فهو مُنسَابٌ بينَ غيومِ الأحلامِ،
مخبأٌ في السرابِ،
فقط، حين تغني الطيورُ بأصواتٍ غيرَ مألوفة،
وحين تختفي الحروبُ خلفَ أفقٍ جديدٍ،
سيكون اللقاءُ حتمًا.
وسنكونُ في تلك اللحظةِ،
أكثرَ من مجرد ذكرى،
أكثرَ من كلماتٍ مكتوبةٍ
أو أصواتٍ تذوبُ في مهب الريح.
سنبقى هناك،
حيث لا تكون إلا أرواحُنا،
نلتقي في مَدى جديدٍ،
حين تهدأ الساعاتُ،
ونلتقطُ سكونَ الوجودِ في عيوننا.
حين يطوى الليلُ عن أنفاسنا،
وتنقشعُ الغيومُ عن سمائنا،
سنكونُ قد حفرنا في أعماقِ الزمنِ
ذكرياتٍ تُشبهُ الخلود،
ونحن نبني معًا عالماً جديداً
من حروفٍ تتلاشى مع نبضات القلب.
لكني، كما أخبرتكِ،
لن أقول لكِ متى نلتقي،
فأنتِ تعلمين أن الزمنَ
أكبر من الكلماتِ وأعمقُ من حروفنا.
لكنني حين أراكِ،
سيكتمل المعنى الذي أبحثُ عنه،
وستكتمل الصورة التي شَكّلتُها في رؤاي.
اللقاء ليس مجرد مرورٍ عابرٍ
لحظةً تلتقي فيها العينان،
بل هو ميلادٌ جديدٌ
لأنفاسٍ كانت في انتظارِ الحياةِ.
ومع كلِّ لحظةٍ مرت،
كان الانتظارُ يقوى على الصبر،
ويزدادُ الشوقُ اتساعًا في الفضاء،
حتى صار الكونُ بأسرهِ
مسرحًا للانتظارِ.
أنتِ، في انتظاركِ،
أنتِ تزرعين في كلّ خليةٍ أملًا جديدًا،
وفي كلّ سطرٍ ألمًا يتبدد.
إلى أن تأتي اللحظةُ التي نبحثُ فيها عن السلام،
ستظلّ حروفُنا مرسومةً في الزمان،
ولن ننظر إلى الوراء،
فكلّ شيءٍ من الماضي قد اختفى
مع خيوطِ الفجرِ،
واختفت معه تلكَ الأسئلةُ التي طالما ترددّت
في صمتِ الليل.
حين نلتقي،
سيتدفق النهرُ من أعماقنا
ويغسلنا من كلِّ الغبارِ الذي علقَ بأرواحنا،
حين نلتقي،
سنتنفسُ الحياةَ بأسمائها الأولى
ونسترجعُ اللحظاتِ التي طالما حلمنا بها.
لكن، حتى حينذاك،
ستظلّ ألسنتنا تتعطشُ إلى حروفٍ جديدة،
إلى كلماتٍ لم نكتبها بعد.
وحين تسألينني: متى نلتقي؟
سأقول لكِ:
حين يذوبُ الفضاءُ في حضنِ الزمن،
ويعودُ الفجرُ إلى المدى
سأكون هناك،
عندَ الحدودِ التي التقت فيها أرواحنا،
حينها فقط،
نلتقي.
Discussion about this post