الدكتور محمد العبادي
تنبثق الاستراتيجية العليا لأية دولة من الاهداف الساعية لتحقيقها. ويطلق اصطلاح الغاية القومية على الهدف النهائي والاخير الذي ترى الدولة ضرورة تحقيقه من خلال وجودها وقد تخلق امام الدولة غاية او غايات قومية اخرى تظهر حسب تطور الاوضاع والظروف الاقليمية والدولية التي تحيط بها ، وثمة ترابط وثيق بين ماتريد الدولة تحقيقه وتأمينه من جهة وقدرتها على انجاز ذلك بمختلف الوسائل، فالقوة بحد ذاتها لا تشكل قدرة، والجاهزية عندما تلتحق بالقوة الشاملة تحولها الى قدرةٍ. وتوجد بين القدرة من جهةٍ والغاية من جهةٍ اخرى في معادلة الامن القومي الوسيلة التي من دونها لا يمكن تسخير القدرة ولن يكتب لها النجاح في التنفيذ، فهي تعدّ بمثابة قلب المعادلة حيث ترتبط بدروس الماضي وتوقعات المستقبل وتعدّ الرد الامثل على التهديدات والقيود. والمهم من ناحية الامن القومي هو نتيجة التزاحم الذي يولد القوة التي تشتمل على نخبة من بينها متخذو القرارات ووسائل تنبئية (الاستخبارات والجيش والأعلام)، ووسائل الجبهة الداخلية (موارد متيسرة تغذي متطلبات الجبهة العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية). فمن اجل ضمان مصالح الدول وأمنها القومي من التهديدات المباشرة وغير المباشرة، لم تعدّ الدول تتأخر عن الدخول في علاقات تفاعل (فعل ورد فعل) ذات ابعادٍ ودلالاتٍ مختلفة. وتتحدد مصلحة هذه العلاقات في ضوء اختلاف المصالح بين الدول او تشابهها، فتقارب المصالح اوعدم اختلافها بين الدول يحفز على التعاون في ميادين محددة حسب الفوائد المترتبة على هذا التعاون. اما الدول ذات المصالح المتعارضة فتندفع الى ايقاع التأثير عبر انماطٍ متباينة من حيث الشكل والمضمون. وان امتلاك عناصر القوة والقدرة الاقتصادية والاعلامية والدبلوماسية والمجتمعية والعسكرية وتوظيفها، هو الاساس في ضمان تحقيق الاهداف وحماية المصالح، ويرجع ذلك لأسباب: ـ ارتباط أي استراتيجية فرعية بالاستراتيجية القومية الشاملة بكل فروعها، فتحتاج للتعاون بين فروع الاستراتيجية القومية الشاملة لانجاح الفعل المطلوب. ـ ان التفاعل بين الاستراتيجيات الفرعية (الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والاعلامية والعسكرية) يغطي على النقص في أي استراتيجية فرعية سواء من حيث القابلية القصوى للتنفيذ او من حيث الاخفاقات التكتيكية الناجمة عن الفعاليات المستمرة. ـ يساعد هذا الترابط على افساح المجال لأستحداث انماطٍ من الفعاليات ومواصلة العمل بوتائرٍ جديدةٍ لحين تعويض النقص الموجود في أي فرع من فروع الاستراتيجية الشاملة. وعلى الرغم من ان هذه الاستراتيجيات متباينة في طبيعة العمل الذي تقوم به، فانها تعّبر عن مزيجٍ خاصٍ من الطرائق المختارة والمنتقاة لتتعامل مع مكامن الضعف لدى الخصم. وان عملية اختيار افضل هذه الطرائق من بين مجموعة كبيرة واسعة الامتداد والتأثير هو اهم جزء، لانه هو الذي يسمح بمجابهة اكثر الاوضاع صعوبة. وان حقيقة اعتماد الاستراتيجية العسكرية على السياسة تتطلب التوافق بين الاهداف السياسية والامكانات العسكرية نفسها، هذا الامر يتطلب بالضرورة ان يكون رجال السياسة ومستشاروهم الدبلوماسيين على معرفة كبيرة بالمجال العسكري اكثر من السابق، والاصلح ان يكون رجل الدولة سياسياً ملماً بالعلوم العسكرية او عسكرياً يفهم اللعبة السياسية.
Discussion about this post