قصة بقلم الأديبة ا.سامية بدوي
أنا آنسة فى السّتين .. عشت حياتى الطّويلة المريرة كالكوبرى الممدود عبر ثلاثة أجيال .. لم أعرف الحبّ .. و لا الزّواج
في العاشرة كنت أحمل أخي الطّفل و أغني له .. و في الثّلاثين كان الطّفل قد كَبُرَ و تزوّج .. فحملت أطفاله .. الآن و قد كَبُر أطفال الأطفال .. و تزوّجوا .. بدأت أستقبل على صدري الهضيم الضّامر .. أبناءهم لأعبر بهم السّنين الباقية من حياتي .
أنتَ لا تعرف معنى أن تعيش على الشّاطئ .. و تقضي في الحرمان ستين عاماً .. و أنت عطشان .. لا يمكن أن تعرف هذا لأنّك لم تجربه .. فأنتَ رجل .
و فى صباي كانوا يقولون إنّ الرّجال خُلِقوا للشّارع و المدّرسة ، و النّساء خُلِقنَ للمطابخ .
و كان أبي المتوسط الحال يحلم بتريبة أولاده في الجامعة .. كان ثمن هذا الحلم بعد أن ماتت أمي أن أظلّ في البيت لا أبرحه ..أطبخ أغسل و أمسح البلاط .. لأوفر ثمن خادمة وطاهية و غسالة لأعاون أبي على تحقيق حلمه الكبير .
كنت الثّمن الّذى دفعه جيلنا من لحمه و دمه .. لتدخلوا الجامعة و تتعلموا .. ثمّ تقولوا للعالم .. نحن الرّجال .
قد كنت سعيدةً بهذه التّضحية .
كنت أماً عذراء لأجيالٍ ثلاثة تربوّا على صدري .
لكنّي الآن و قد تغيرَت من حولي الدّنيا .. أحس أني غريبة في عالمٍ غريب .. عالمٌ مليء بالثّرثرة و الغرور بالحب و الإلحاد و الثّورة .
بناتي و صبياني الّذين ربيتهم و منحتهم شبابي و عمري .. ينظرون إليَّ كأنّهم ينظرون إلى تحفة أو أنتيكة .. يسخرون مني لأنّي لا أفهم الوّجودية و السّياسة و الحب .. يضحكون عليّ .
لقد إنتهت دولتي .. و مطبخي الصّغير إحتله الطّاهي .. و لم يبق لي سوى البكاء في صمتٍ إلى جوار النّافذة .
كنت أطمع فى شيء واحد ..
هو …………… التقدير
Discussion about this post