سلسلة تسرد
التُّراث الشَّعبي في رمضان
بقلم/ د. دعاء محمود
في رحلة تسرد التُّراث الشعبي في رمضان نبحر فيها عبر العادات، والتَّقاليد المصرية، والأماكن الخالدة، لا يجب أن ننسى تاريخ عريق عاش معنا سنوات.
قصور الملك في رمضان؛
تقاليد، ومراسم اعتاد عليها المصريين طوال سنوات من عمر التَّاريخ.
في رحلة عبر الزَّمان نعيشُ لحظات عطرة تفوح بعبق التَّاريخ ونفحات رمضانية برائحة المسك والعنبر و شهر رمضان في عهد الملك فاروق الأول.
ما أن تثبت رؤية هلال شهر رمضان الكريم فتزدحم الشَّوارع و الأماكن العامة حيث يخرج المصريون يبحثون عن أقرب جهاز راديو في المقاهي و الأماكن العامة لسماع خطبة الملك فاروق و التي كان يهنئ فيها الشَّعب المصري بحلول شهر رمضان الكريم وما أن يعلن المذيع انتقاله إلي قصر المنتزه لنقل كلمة الملك، فيسود الصَّمت في الشَّوارع ، إلى أن ينتهي الملك من إلقاء كلمته ، فتتعالى الأصوات في كل الأنحاء تهتف تدعو للملك فاروق : “حفظ الله جلالته وأطال بقاءه” . و يأمر الملك فاروق الخاصة الملكية بتوزيع مبالغ من المال على العائلات الفقيرة وكل بيت فقير في القاهرة وفي الأقاليم .
طوال شهر رمضان كانت القصور الملكية تستخدم مكبرات الصَّوت لإذاعة القرآن الكريم و تقام السُّرادقات في الميادين الكبيرة والمتنزهات لتلاوة آيات الذّٓكر الحكيم والتَّواشيح الدِّينية، خاصة في ميدان قصر عابدين . و كان رحمه الله يؤكد على ضرورة إذاعة أصحاب المحلات المجهزة بأجهزة الرَّاديو القرآن الكريم طوال أيام رمضان ليصدح القرآن في كل مكان بالمحروسة احتفالًا بالشَّهر الكريم .
يدعو الملك فاروق رجال القصور والخاصة الملكية لمائدة إفطار رمضانية ، ممدودة و عامرة تحفل دائمًا بكل ما تشتهي الأنفس مما لذ وطاب ، وتتسع للكثيرين من رجال الدَّولة وسفراء الدُّول ورجال الأحزاب وعامة النَّاس بمَن فيهم الفقراء، وتميز الملك فاروق دون حكام مصر ممن سبقوه في إقامة هذه الموائد بكثرة في رمضان.
لكن بعد حرب فلسطين ١٩٤٨، تغيرت تقاليد هذه الموائد التي كانت تُقام في القصر الملكي في شهر رمضان، وكان يحضرها الأمراء، الوزراء، والعلماء.
أمر بعد الحرب بإلغاء موائد القصر، لتحل محلها موائد في القاهرة وسائر مدن مملكة مصر وأرجائها للفقراء والمعوزين علي نفقته الخاصة طوال الشهر.
وعن المآدب الملكية التي كانت تقام في مختلف أنحاء البلاد فقد تنوعت ما بين مأدبة للعمال، وأخرى لرجال الجيش والضُّباط، و مأدبة لمشايخ الطُّرق الصُّوفية والأئمة والخطباء، وأخرى للطلبة الغرباء في مصر والدَّعوة مفتوحة للجميع لا يُستثنى منها أحد.
أما قصر عابدين تراه، يتلألأ بالأنوار الكثيرة إحتفالًا بشهر رمضان الكريم، وترى الفناء الدَّاخلي للقصر قد تم تجهيزه لجلوس آلاف الذين يأتون لسماع القرآن من كبار المقرئين، و يشارك فاروق أبناء الشَّعب المصري في هذه الليالي المباركة، فيفتح السَّراي أبوابها في كل ليلة للجميع لا فرق بين غني وفقير.
تذكر مجلة “المصور” في تلك الفترة أن المأدبة الملكية الرَّمضانية كانت تضم قائمة من أشهى المأكولات و الأصناف مثل : البرتقال، والسَّجائر، وحساء ساخن بالخضر، وحَمَل بلدي بالخلطة، وفاصوليا بالدَّجاج، وديك رومي فاخر بالبطاطس، وأرز مع لبن زبادي، وحلاوة بالقشدة، وخُشاف، وفواكه، وقهوة.
وتضيف مجلة “المصور” أن: -فاروق لم يشأ أن يحرم من هذا العطف جميع من يتشرفون بخدمة السَّراي، فأمر بأن يأكل الخدم والسَّائقون والجناينية من نفس الطَّعام الذي أكل منه الملك- .
في قصر رأس التين؛ احتفالات مبهجة فتقول مجلة “المصور” في عددها الصَّادر في ٢٣ يونيو ١٩٥٠ : “عندما انطلقت قذيفة مدفع الإفطار سلطت الأضواء الكشافة على قصر رأس التين فبدت معالم جماله، وبعد الإفطار بدأ الوزراء، الكبراء، ورجال الدولة يفدون على القصر العامر ليستمعوا إلى القرآن الكريم، وأقيم سرادق متسع الجنبات على مقربة من القصر لاستقبال الذين يريدون أن يستمعوا إلى آيات الذِّكر الحكيم” . وتصف مجلة “المصور” السُّرادق فتقول : “يتسع السُّرادق لخمسة آلاف نفس، وهو يكتظ كل ليلة بأبناء الشَّعب من مختلف الطَّبقات، وهى مأدبة إفطار ملكية دُعي إليها الأمراء والوزراء ورجال الأزهر والسِّلك السِّياسي ورؤساء وفود جامعة الدُّول العربية، كما أقيم سرادق كبير في حديقة القصر على قرب السَّلاملك، ثم تفضل جلالة الملك فصافح المدعوين بيده، بعد أن حياهم وهو يدخل السُّرادق بقوله (كل عام وأنتم بخير)، وسمح لأعضاء وفود جامعة الدول العربية أن يشهدوا المأدبة بملابسهم العادية فكانت مفاجأة كريمة لهم”.
ولم يكتف الملك فاروق بالمآدب الملكية لكن كان يوجد مطعم ” الملك فاروق الخيري” فكان أحد السُّبل لحصول الفقراء على الطَّعام ، فيقدم الطَّعام المطهو والخبز لمن يريد.
أما عن الملك فاروق وأسرته، في إفطار رمضان.
كانت مائدة الملك الخاصة التي يجلس إليها ليتناول إفطاره مع أسرته بسيطة، لا تتسم بالبذخ، وتضم عادة أصنافا بسيطة، وكانت قائمة الطَّعام الملكية، لا تضم سوى صنف واحد من اللُّحوم، وفطائر، وبيض بالبسطرمة، وأرز، وبطاطس، وطبق المسقعة المُفضل، ثُم الكنافة، والفواكه.
تاريخ عريق، وقصور لها طابع فريد طوال الشهر الفضيل.
الكاتبة الصحفية/ د. دعاء محمود
مصر
دعاءقلب
Discussion about this post