المرأة بين فلسفة جلال الدين الرومي ومصباح ديوجين الإغريقي
عبد الحي كريط
يحتفل العالم كل سنة من هذا الشهر باليوم العالمي للمرأة، التي تعتبر محور ظهور و بناء الحضارات البشرية وموضع الخصوبة لإعمار الأرض. ونسمع اليوم وبكل أسف خاصة في المجتمع العربي الذي لازال في شق منه، يقدس الأعراف على حساب جوهرية الدين، نسمع الكثير من النقد والانتقاص والذم من المرأة والتقليل من قدراتها الانجازية واتهامها دائما بالضعف وقلة الحيلة وغيرها من الاتهامات الباطلة والكثيرة ولو أن الإنسان عاد إلى عقله قليلا ونظر بتأمل لوجد أن هذه المرأة التي ينعتها بالضعف والنقص هي أساس بناء الأسرة التي نبني من خلالها الحضارات. وسنحاول في هذا المقال تسليط الضوء على مقولة منسوبة لمولانا جلال الدين الرومي الذي يعتبر أحد أعمدة التراث العرفاني الصوفي بالإسلام، حيث اعتبر المرأة نورا من الله وهي مستمدة من الهدي النبوي الكريم يقول الرومي: للمرأة ﺣﻀﻮﺭ خفي. لا يراه ويهتدي به إلا رجل متفتح عارف فهناك ﻧﻮﻉ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ. ﺑﺪﺍﺧﻠﻬﻢ ﺣﻴﻮﺍﻥ ﻣﺤﺒﻮﺱ ليت هؤلاء ﻳﻘﻮّﻣﻮﻥ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺃﻭﻻ ليتهم يعرفون أن ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭﺍﻟﺘﻔﻬﻢ ﻫﻲ ﻣﺎ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﺑﺸﺮﺍ ﺃﻣﺎ ﺍلشهوة ﻭﺍﻟﺤﻤّﻴﺔ، فرﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻧﻮﺭﺍ ﻣﻦ نور ﺍﻟﻠﻪ، ﺭﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﻼﻗﺔ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻣﺨﻠﻮﻗﺔ ﺭﺑﻤﺎ ﻫﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺠﺮﺩ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺍﻷﻧﺜﻮﻱ ﺍﻟﻨﺎﻋﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺮﺍﻩ .يحاول الرومي إثبات وجهة نظره حول حقيقة المرأة التي لازالت تلك الصورة النمطية في أذهان المجتمعات الإنسانية وبمختلف روافدها الثقافية والتي كانت تعتبر فقط كوعاء شهواني لحمل ماء الرجل الذي يطمح إلى استمرار نسله الذي سيكون من لبنات بناء الدولة الذكورية المزعومة رغم أن الحقيقة تتجلى في أن بناء الدولة والامبرطوريات عبر التاريخ كانت تتم عبر المرأة وهي نصف المجتمع.
فالرومي يصرح بناءا على خلفيته الإسلامية الرحموتية النابعة من مشكاة النبوة بأن ليس كل مخلوق بشري قادر على فهم حقيقة المرأة التي هي سر من أسرار الله وهي سر الوجود والوحيد القادر على استكشاف تلك الحقيقة وإدراك ذلك السر هو ذلك الكائن الذي يستحق أن يوصف بكونه إنسانا على الحقيقة لازال على فطرته السوية وهذا الكائن نادر في المجتمع الإنساني، فعدد البشر لا يحصى، ولكن وجود إنسان في هذا العالم هو مثل الجوهر الذي يحتاج ان تنقب عنه لكي تجده. ويقتبس الرومي في هذا السياق قصة الفيلسوف الإغريقي “ديوجين المعروف “بديوجين الكلبي، ومن هنا جاء اسم الاتجاه الفلسفي المعروف بالـCynicism أو الكلبية صاحب فلسفة البرميل والذي رآه معاصروه يتجول بمصباح في وضح النهار ويخترق جموع البشر مستغربين مما يفعل، وعندما سألوه عن ذلك السلوك أجابهم بأنه يبحث عن “إنسان” لكنه لم يجده بعد. والآن أصبح مصباح ديوجين مصباح الحكمة ورمزا للبحث عن الحقيقة بمختلف تجلياتها وتمظهراتها الإنسية والوجودية.
ومع ظهور الديانات الإبراهيمية الأولى كاليهودية والمسيحية لم تتغير الصورة النمطية للمرأة في العقل الجمعي للمجتمعات الإنسانية حيث تأثر اللاهوت اليهودي والمسيحي بالمجتمع الذكوري الذي صنف المرأة بتصنيفات خارجة عن جوهر وحقيقة الديانتين السماويتين.
ومع ظهور الإسلام جاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليقلب موازين الفكر السائد و القائم آنذاك على احتقار المرأة وتهميش دورها الطلائعي في بناء الحضارات والمجتمعات، فكانت ثورة في أعمدة الجهل المقدس بالفكر الإنساني ،رغم أن بعض فقهاء النص للأسف الشديد فسروا عدة آيات وأحاديث بناءا على خلفيتهم البيئية المجتمعية التي تقدس المجتمع الذكوري فكانت هناك اتجاهين في الفكر الإسلامي اتجاه عقلاني مرن يعرف كيف يفسر النص بناءً على معطيات واقعية ومقاصدية (وهو الغالب ) مثل جلال الدين الرومي والذي كان في هذا الجانب في شقه العرفاني .
واتجاه حشوي يقدس النص لأبعد الحدود دون استعمال أدوات اجتهادية ومناهج مرنة فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يفسر القرآن وهذا من رحمته بالبشرية.
منهاج جلال الدين الرومي في الوصول إلى كنه وجوهر المرأة تلك المخلوقة الرائعة تلاقت مع فلسفة ديوجين في البحث عن الحقيقة هذه الحقيقة هي أنه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان يثني دائما على نسائه ويقدرهم، فلقد قال في أم المؤمنين خديجة: مَا أَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهَا ، وَقَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِيَ النَّاسُ ، وَصَدَّقَتْنِي وَكَذَّبَنِي النَّاسُ ، وَوَاسَتْنِي مِنْ مَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الأَوْلادَ مِنْهَا ، إِذْ حَرَمَنِي أَوْلادَ النِّسَاءِ”، وقال عن أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها “رزقت حبها “وغير ذلك من الأفعال الكثيرة التي تؤكد بشكل كبير على تقدير النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة إيمانا منه بقدرتها على صناعة الفارق في الحياة
Discussion about this post