رأسي بيت أشباح
وأنا طفل ترعبه فكرة النّوم وحيدًا.
ولأنّي قرأت في كتب العصافير
أسماء كلّ الغيلان التي تحكم المدينة
وأسماء كل الغيلان التي شربت النهر،
ترعبني، أكثر، فكرة النوم
وفكرة اللعب
مع الأطفال
خارج رأسي.
فأصرخ وأصرخ وأصرخ
في أعماق داخلي
حتى لا يُفشيَني الصدى للقطارات الغريبة؛
القطارات التي تنتظر
آخر الراكبين
حتى ينتهوا من أعقاب سجائرهم،
من قبلات يقطفونها على عجل،
ومنهم!
القطارات التي قد لا تصل متأخرة جدًا
فتتسلى
فيما بينها –
وهي تنتظر –
بتبادل الحكايات عما علق بآذانها
مما أسرّه المسافرون للمسافرين الغرباء،
وما حملته معها قوافل الصدى من صراخ المتعبين…
—
في الخلفية،
موسيقى نشاز تعزفها حبيبات البَرَد على علب معدنية؛
علب تركلها،
في ملل،
أقدام الريح وهي تعبر مدينة تحرسها كلاب مذعورة لا تكف عن النباح!
وأنا… لم أكن هناك!
فالمشهد ما كان ليحتمل حضوري مع كل ذلك الحزن.
لكنّ وحدتي كانت هناك،
وأخبرتني
أنّ
حبيبتي كانت تقف بجوار النافذة
وتراني
بوضوح –
في الضباب الكثيف المتشرد في شوارع عيوني!
تقول حبيبتي:
“لا تكتب قصائدك
ليلًا
حتى لا يتسرّب إليها حزنك كاملًا،
فالجمهور يفضّل قصص العاشقين
وفضائحهم.
وأنت – يا حبيبي – لست شهريار
لتَصلِبَ قصيدتك في جذع الصمت
في صباح اليوم التالي –
بتهمة أنّها عبرت صدرك كفأس محارب فايكينغ…”
وتقول حبيبتي:
“لا تكتب قصائدك
في الصباح
حتى لا تفضح الأبجدية بياضي
فتسري في رعشتي،
الحروف،
كما شفاه ملتهبة.
فتتفتّح زهور الحقد في عيون حبيباتك العابرات
وتكبر على أصابع الأصدقاء
آهات نساء هلاميات الملامح…”
وأخبرتني وحدتي
أنّ حبيبتي كانت تقف بجوار النافذة
وأنّ المدينة كانت تلوّح لها
وحبيبتي كانت تلوّح لي،
وأنا
كنت أوزّع ذراعيّ على الجنائز التي لا أحد عانقها،
وأصرخ وأصرخ وأصرخ
في أعماق داخلي
حتى لا يكتشف الأسفلت،
واجهات المحلات،
أسطح القصدير،
وقطط الأضواء الحمراء
أنّي
كل هذا المطر!
أنّي كل هذه الحرائق وأكثر،
وأنّي أرقص على نصل سكين!
—
في الخلفية: ضوضاء!
وأنا
نسيت أن أقول لحبيبتي:
“أحبّذُكِ
مع طبق الفول المدمّس
ومع النبيذ الأحمر
هناك
في الحانة أين يجتمع الرفاق
ليلة لا يأتي أحد من الرفاق!
نجلس،
أنا وأنتِ
وظلّانا
والضوء الخافت.
نتبادل، فيما بيننا، أعقاب السجائر ذاتها
وندخنها – نفسًا بنفس – كما السجناء…
نتبادل أرغفة الحزن
فنمضغها بضحكات جارحة كالخناجر
وصلبة كما الحجارة…
نتبادل الصمت، أيضًا،
دون مبالاة تُذكر
لثرثرة الضوء الخافت
عن ثدييك الطريّين ككومتين من العشب الأخضر النّديّ
شبه المكشوفين
وعن فضيحة بنطالي.
ونتبادل الشتائم حين أراقصك،
فيدوس ظلي قدم ظلك فيضحك الضوء الخافت!
ثمّ،
كما ثائرين،
ستغنين كل الأغاني الغاضبة التي تحفظينها،
وسأغني
كل ورودك الثائرة التي أحفظها.
ومستندين إلى ظلّينا
سنعود لك/ لي،
وأنتِ، ربما، ستنامين،
وأنا، ربما، سأكتب قصيدة جديدة/ جريحة،
وأنتظر
ما ستلعبه معي من ألعاب
الأشباح التي تسكن رأسي،
لأصرخ وأصرخ وأصرخ…
هيثم الآمين
Discussion about this post