الرّملُ لا يعرفُ الماءَ … فلماذا يصرُّ عليّ الامتلاكِ !!؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خطوٌ مدفونٌ في الرّملِ ، سأحرسُه من ريحٍ متدحرجةٍ من كلِّ الأمكنةِ ، وطريقٌ من حجرٍ مكسورٍ ، ينامُ في ظلٍّ مأفونٍ ، أسكنُه ليبقى وعرًا ، فيراقصهُ القتلةُ ، ويباركهُ الكهنةُ المنفيّون ، النّهارُ يسقطُ من بين أصابعي في جير ٍحيٍّ ، تذوبُ الأحشاءُ ، وتبقى الذّاكرةُ ، أُعطيها أذنيّ ، فتُسمعني صمتَ العالمِ ، … الليلُ يبقى في عُشّهِ الحجرّي متربعًا، مستيقظًا كيمامةِ سُرقت وحيدتُها من تحتِها ، فتنازلت عن العشِّ لسارقٍ قديمٍ .
الطّريقُ صار وعرًا بما يكفي ، والرّملُ يتعجّبُ !! كيف تصطّفُ الأسماكُ البريّةُ علي جبينهِ الأيمن ؟وكيف يدفنُ النّعامُ رأسَه في الظّلِّ ، ويتركُ مؤخّرتَه للريحِ ؟وأنا عابرٌ مقيمٌ ، مالكٌ مستأجرٌ ، صاحبُ حقٍّ مطرودٌ من مملكتي ، الماءُ يعرفُ الطّينَ ، نائمٌ في المسامِ ، يسكنُ الأروقةَ ، وينادي المارّةَ من الشّرفاتِ ، لكنّ الرّملَ لا يعرفُ الماءَ ، لا يستضيفه بين حبّاتهِ ، فلماذا يصرُّ عليّ هذا الامتلاكِ .
نجمةٌ من بين السّحبِ تخرجُ ، تواعدني في دخلةِ المساءِ ، يُناديها من خلفِها نمران وغزالةٌ ، فتتركنُي وحدي وتمضي ، يمرُّ عليّ عشّاقٌ متجوّلون ، يتركون حزنَهم في أجولةٍ من الكآبةٍ ، يضعونه تحتَ صخرة ٍثقيلة ٍ ، مخافةَ أن تعبثَ به الرّيحُ ، أو يسقطَ في وادٍ سحيقٍ ، الشّمسُ متحفّزةٌ من بعيدٍ، تُنادي ، تظهرُ ، وتختبئُ خلفَ صمتٍ أسودٍ ، حين ترمقُني تخلعُ ضوءَها ، تفرشهُ بجانبي ، وتبني لها عشًّا على غصنٍ يكره غدرَ الرّيحِ ، لتنامَ حتّى الصّباحِ .
المكانُ لا يحوي فَرَاشًا ، ولا وردًا ، ولا أُنسًا، لهذا تفرُّ اللغةُ ، كلّما حطّتْ على رأسي ، فأضطرُ أن أرسمَ فراشًا ، ووردًا، ووجهَ حبيبتي ، وأهُزّ عيني ليسقطَ الماءُ منها ، فيبتلُّ القلبٌ حتّى الغرقِ ، أُناديها ، لكنّ النّمرين والغزالةَ يعزفان لها لحنًا مسروقًا ، فتتابعُ المسيرَ ، أعودُ مُنكسرًا لخطوي المدفونِ ، أُعرّيه للريحِ ، وأوقظُه من حرقةِ الظّلِّ ، لكنّه يغوصُ منّي في الرّملِ حتّى اللجامِ .
الأديب الدكتور شعيب خلف
مصر
Discussion about this post