سنحرّر شاعرا بقصيدة ٢٩
بقلم/ محمد حربي
على سبيل التّذكير :
نقول سراج ونعني الجميع
ونعني للجميع بصيغة المفرد
****
من سجن قصيدة فكأنّما حبس النّاس جميعا
***
يوميات جندي معلّق بين الجدار والبرزخ
***
إلى أحمد سراج وظلاله المغيّبة خلف الجدران
****
هل تكتفي الذّاكرة بقرنٍ من الدّموع تحلبه ضرعا ضرعا ..
وهل تكتفي الأوطان بالأضرحة.. تُلَوّنها بدمعتين كلّ عامٍ
وهل يمدُّ التّراب جسراً جديداً للعابرين فيضيع دَمي في أقدامِكم
كسؤال بلا ذراع يتسوّل الطّعام في خيمة التّأويل البعيدة
**
خطوة .. خطوة ثمّ لا أعود
كيف يمكن للماء أن ينسى ظَمَأي النّاريّ
وأنا أرتشف دَمي علّني أَمُرُّ
وكيف للغبارِ أن يمَّر دون تلويحةِ الوداع؟
**
هل صرت نسيا منسيّا
لأنّ قاتلي قرَأَ الفاتحة وتوضّأ بدمي
وهم الآن يفتحون جسوراً لنقل الجثث
في الكتب المقدّسة?
***
هل عُدْتُ نسيًا منسيّا لأنّ الذي يسامح أدارَ الخَدّيْن لقاتلي
وابتسمَ وغمغمَ بحرفين يتآكلان فوق اللّسان في الصّور
وقال البدء كلمة ثم محا اسمي ؟
* هل صرت نسيا منسيّا
لأت قاتلي سرق النّجمة السّداسيّة وبطاقة الله
وادّعى أنه المخوّل بتطهير الأرض
من الجثث الصّاحية من البحر الي النّهر ؟
هذا البحر كاذبٌ
رأى ما رأى
ولا يزال يسرق الماءَ من نهر عجوز
ويصُّر على إنكار النّسَب بين دَمي والماء
هذا النّهرُ كاذبٌ
****
لن أذكر مختَرِعَ الأبجديّة
علّمَنا تَهَجِّي الشّموس المُنْطَفِئة وأنا أنقش الوشم فوق جثّتي
لن أذكر التّمثال يشهق برعشة الزّوال قبل أن ينتصف النّهار
فوق رابية ولن أذكر المرفأ العجوز
سأذكرُ شَهْقَة رفيقي الّذي إلى جواري
يتهجّى اسمَ حبيبتِه ويوصيني – إنْ عُدْتُ – بالزّواج منها
فقط لأحكي لها عمّا رأيْنا لكنّني لم أعُدْ…
واغْتَصَبَها عَدوٌّ لي وعدُوٌّ لَه
****
– ماذا أبقاك محبوساً في دمعةٍ سُدَى
كشجرة عجوز على الجسر المراوغ ؟
كنت أرقب العابرين
جثّتي فنارٌ يرشد القراصنة إلى جثثٍ تزعج الملائكة
الى نهارٍ يرفض الغروب.
***
كنت شاعرا أخرَسَت قصيدتي رصاصةٌ في اليوم الأوّل
بعدما تعجّلَت هروبها من الحرب وضاعت في أضابير الجثث
كيف يمكنني العبور من دون وثيقتي
وكيف أتهجّى دمي المُراق بين فواتح الفصول
قل لقاتلي في الرّكن القصيّ أن يغمض عيني
برصاصة في الصّور لتعبر الجدران موتها البطيئ
وقل له:
كيف يقول “فكأنّما قتل النّاس جميعا ”
ثم ينظر في عيني بصمت خئون
وأنا بين الموت والصّحو لا أقوى على النّظر
وقل له كيف يرى الخشبة في عيني
ولم يعد لي عينان
وقل له أنّ الأخرون سيردّون الطّعنة غدا
*****
لستُ حيّاً بما يكفي لأعود ولستُ ميّتاً لأبقَى
والجسر مقطوعٌ في سماء ذاكرتي
كيف للبحر الّذي خانَ موجَه رفع راية العصيان
في وجه الخرائط الملفَّقَة
والخيولُ مسحوبةٌ بعَماها نحو ملحٍ لا يجيد القراءة
****
قلت لكم :
إن الحرب ليست قدَراً يَسْقُطُ من إبِطِ الله فوق الجموع
ولا وَصيّةً نسيتها الآلهة فوق الجبل فهرَبتْم في دمي حتّى قاع البحر..
ليست الحرب سوى خديعة النّهر وهو يكتب موتَه كلّ يوم بنشوة الأفول
****
صمتا ٍ .. فإنّني أسمعُ القادمين…
– من أين أنتم؟
– من هناك من البئر الّتي لا تنْضَب
– كم لبثتُ في كهفي ؟
– مائة عام
مائة عام والظّل يقتل أحشاء الكلام
مائة عام وطعامي لم يتسَنَّه
آهِ ما أطول الأبد
أغلِقْ المقبرة الآن
فقد انْتَهى ضجيج الإحتفال
جفّتِ الأقلام وغطيت الصّور
كي لا نخدش حياء الجدار
يا الله قتلني أبناؤك جميعا وادعوا غير ذلك
واشعلوا النّار في النّهر الضّرير
محمد حربي
*اللوحة للفنان الفلسطيني محمد السمهوري
Discussion about this post