قَبْلَ أَنْ يَصيرَ لَقِيطًا فِي الشَّوارِعِ
طِفلتي العَزيزِة..
تَذَكَّرِي جَيدًا،
أَنَّ الشَّوارعَ لَيستْ آمِنَةً الآنَ عَلى الِإطلاقِ؛
حَيثُ لا تَخلُو تَمامًا مِنَ الكِلابِ السَّائِبةِ
تَذَكَّرِي جَيدًا-
وَأَنتِ تَعبُرِينَ الشَّارعَ- أَنَّ هُناكَ مَن سَيفْتَعِلُ مَكِيدَةً
وَيُقحِمُ صَوتَكِ الطُّفولِيِّ فِي نَوبَةٍ مِنَ الصُّرَاخِ،
دُونَ أَنْ يَسمَعَكِ أَحَدٌ
تَصَوَّرِي!
رُبَّما تَكُوُن الشَّوارِعُ نَفْسُها شرَيكَةً فِي هَذه المَكِيدَةِ،
فَلَا تُبْدِ انْدِهاشًا.
صَافِرَةُ الشُّرَطِيِّ لَم تَعُدْ تُخِيفُ أَحَدًا،
بَلْ والأَكثَرُ وَقَاحَةً؛ أَنَّها صَارَتْ تَنْبِيهًا جَيِّدًا؛
حَتَّى يَعرِفُ المُجرِمُونَ أَكثَرَ الأَمَاكِنِ مُلائِمَةً لِحَمَاقاتِهِم،
لِهَذا تَذَكَّرِي أَيضًا
أَنَّ الحَوَائِطَ- نَفْسَها- لَيْسَتْ كَافِيَةً لِكَي تَنَامِي هَادِئَةً
طِفْلَتِي العَزِيزَةَ،
حِينَمَا تَفْتَحِينَ النَّافِذَةَ،
تَأَكَّدِي تَمَامًا أَنَّكِ تُمسِكِينَ المِقْبَضَ جَيِّدًا؛
رُبَّما يَكُونُ هُنَاكَ مَن يَحْمِلُ لِطُفُولَتِكِ ضَغِينَةً،
يَدُسُّها في جَيبِهِ الأَيْسَرِ
تَصَوِّرِي!
هُنَاكَ مَن يَحمِلُ سِكِّينًا لِيَذْبَحَ بِهِ ضَفَائِرَ البَنَاتِ
وَيَنْتَشِي بِلَوْنِ دِمَائِها،
يُمسِكُ في يَدِهِ حَبْلًا قَاسِيًا،
وَفي يَدِهِ الأُخرَى كَابُوسًا مُزعِجًا،
وَالبَرَاءَةُ الَّتِي تُظهِرينَها بِشَكْلٍ عَفْوِيٍّ،
قَدْ تَجعَلُكِ فَرِيسَةً سَهْلَةً لِأَطْماعِهِ،
لِذَا؛ تَعَوَّدِي دَائِمًا أَنْ تُخَبِّئِي صَاعِقًا في حَقِيبَةِ يَدِكِ.
تَصَوَّرِي!
أَنَّ اللهَ يَترُكُهُم يَصْطَادُونَ فَرَائِسَهُم بِسُهُولَةٍ،
لَيسَ لِأَنَّهُ يَتَمَتَّعُ بِالمُشَاهَدَةِ،
لَكِنِّ اللهَ رَحِيمٌ جِدًّا؛
يَترُكُهُم لِآخِرِ لَحظَةٍ،
وَلِأَنَّ اللهَ خَلَقَ الخَيرَ وَالشَّرَّ مَعًا فِي نَبْتَةٍ وَاحِدَةٍ.
طِفْلَتِي العَزِيزَةَ
حِينَمَا تَصْعدِينَ سُلَّمَ الطَّائِرَةِ،
لا تَغُرَّنَّكِ دُمُوعُ المُسافِرِينَ
وَصَيحَاتُهُم البُكَائِيَّةُ فِي وَدَاعِ عَائِلاتِهِم؛
أَغْلَبَهُم كَاذِبُونَ
تَرَكُوا ضَمَائِرَهُم في صَالَةِ المُغَادَرَةِ
تَصَوَّرِي
أَنْ لا ِدماءَ قَدْ تُضَخُّ في وُجُوهِهِم.
مَن يَترُكْ فَتَاةً فِي سِنِّ الرَّابِعَةِ
دُونَ حَيِّزٍ آمِنٍ يَضْمَنُ لَهَا البَقَاءَ،
وَمَن يَتُرُكْ سَيِّدَةً تَحْمِلُ أَوْجاعَهَا
وَتَبِيعُها لِأَيِّ رَجُلٍ يُخرِجُ لَهَا عُملَةً نَقدِيَّةً وَاحِدَةً،
وَمَن يَتْرُكْ أَخطَاءً يُريدُ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنهَا،
وَيَظُنُّ أَنَّ البِلادَ البَعيدَةَ قَدْ تُخَبِّئُ لَه الأَفضَلَ وَالأَجْمَلَ؛
حَتمًا سَيُصبِحُ لِصًّا آخَرَ في ثَوبٍ أُورُبِّيٍّ،
بِقُبَّعَةٍ وَسُتْرَةٍ مُزَرْكَشَةٍ
طِفْلَتِي العَزِيزَةَ
وَأَنا أَكتُبُ لَكِ هَذه الرَّسائِلَ
أَترُكُ يَدِي عَلَى سُلَّمِ الطَّائِرَةِ
وَألتَقِطُ ضَمِيرِي مِن صَالَةِ المُغَادَرَةِ
قَبلَ أَنْ يَصيرَ لَقِيطًا في الشَّوارِعِ
تَصَورَّي ….
لَمْ يَهْتَمَّ أَحَدٌ بِما عَليهِ أَنَا الآنَ
حَتمًا سَتخْرُجُ الدِّمَاءَ مِن وَجهِي،
وَأَتَذَكَّرُ صَوْتَ أُمِّي؛ فَلا أَترُكُها وَحِيدَةً في دَارِ العَجائِزِ
يَكفِي مَا قَدْ عَانَيْتُهُ وَأَنَا أُحَاوِلُ أَنْ أُعِيدَ تَرمِيمَ جُمْجُمَتِي
وَتَرتِيبَ أَوْراقِي وَتَمزِيقَ جَوازِ السَّفَرِ
في النِّهايَةِ
قَدْ عُدْتُ بِلا أَحَقِّيَةِ في انتِمائِكِ
وَبِيَدِي بَعضُ أَشْلاءٍ لِرِحلَتِي المُتعَبَةِ،
مُفلِسًا في كُلِّ شَيءٍ
إِلَّا في هَزائِمِي القَاسِيةِ
أَملِكُ مِنها رَصيدًا بَاهِظًا
رُغْمَ انْفِلاتِي إِلَّا إِنَّنِي لَم أَحمِلْ سِكِّينًا،
وَلَمْ أَذْبَحَ ضَفَائِرَ البَنَاتِ،
وَلَمْ أنْتَشِ بِدِمَائِهِم
وَلَمْ أَتَسَلَّقْ نَافِذَةً قَطُّ .
محمد عبدالله صالح
Discussion about this post