“مدينة الكتب” رمزيّة الأدب والبحث عن الحقيقة في رواية صباح عبدالله.
الكاتبة: منيرة السحيمي
منذ طفولتها، انطلقت صباح عبد الله في رحلة مع الكلمات، متنقّلة بين القرآن الكريم وكتب التّفسير، ثمّ إلى عوالم الأدب الرّوائي. تأثّرت بشكل خاص برواية “ترمي بشرر” لعبده خال، الّتي غيّرت منظورها للأدب وألهمتها نحو كتابة نصوص تحمل بعداً رمزياً وفكريّاً عميقاً.
واستغرقت صباح ثلاث سنوات في كتابة ومراجعة روايتها، مستلهمة الرّمزيّة من أعمال أدبيّة خالدة مثل “مزرعة الحيوان” لجورج أورويل. بذكاء سردي، جسّدت الكتب ككائنات نابضة بالحياة، تعكس صراعات الإنسان، أفكاره، وتحوّلاته. لم يكن الطّريق سهلاً، فقد واجهت تحدّيات مثل “حبسة الكاتب” وصعوبات النّشر، لكنّها واجهتها بالإصرار والمثابرة.
لم تتوقّع الكاتبة حجم التّفاعل الكبير مع “مدينة الكتب”، حيث قدّم القرّاء تأويلات متعدّدة، بعضها فاق تصوّرها، مما يدلّ على قدرة العمل على إثارة التّفكير وفتح آفاق جديدة. في حديثها، وجّهت نصيحة للأدباء الجدد بضرورة فهم قدراتهم، تطوير أساليبهم، تقبّل النّقد، والاستعداد للمسؤولية الّتي تأتي مع النّشر.
تطمح صباح عبد الله إلى رؤية “مدينة الكتب” مترجمة إلى لغّات أخرى، بل وتحويلها إلى عمل سينمائي، ليصل تأثيرها إلى نطاق أوسع. كما تفكّر جدياً في كتابة جزء ثانٍ، مما يعكس شغفها بتطوير هذا العالم الأدبيّ الفريد.
لا شكّ أن “مدينة الكتب” تمثّل إضافة مهمة ومتميّزة للأدب السّعودي، حيث تبرز قدرة الكاتبة على توظيف الرّمزية بذكاء، وإثارة التّساؤلات حول العلاقة بين الإنسان والمعرفة. صباح عبد الله لم تقدّم مجرد رواية، بل تجربة أدبيّة تدعو القارئ للتأمل والتّفاعل، مما يجعلها اسمًا جديرًا بالاهتمام في المشهد الثّقافي العربي.
استخدمت الكاتبة الرّمزية بذكاء، حيث أضفت على الكتب شخصيّاتها وعناوينها لتكون رموزاً وإشارات تعكس معاني أعمق من حكايتها. في الرّواية، كان للرمزية دور رئيسي في إثراء النّص وإضفاء أبعاد فكريّة وفلسفيًة تعكس الفكرة الرّوائيّة. الرّمزيّة لم تكن مجرد زخرفة لغويّة، بل وسيلة تعبير عن أفكار وطنيّة وفكريّة تهمّ جميع الشّرائح، وتثير المشاعر.
وركّزت الكاتبة على إيصال الفكرة بأبسط صيغة ممكنة، مغلفة بالإثارة والجاذبيّة، مما جعل الرّواية أكثر تأثيرًا وأمتع في القراءة. اختارت الكاتبة الرّموز بحكمة، ممّا ساعد في وصول الثيّمات بسلاسة وعمق وتناغم. وعبّرت عن القضايا الإنسانيّة والاجتماعيّة بسرد غنيّ ودلالي، ممّا منح القارئ فرصة لفهم النّص من زوايا متعدّدة واكتشاف ماهيّة الصّراعات الإنسانية الكبرى مثل الخير والشر، والحرية والقيود.
تعتبر المكتبة عنصراً ثرياً ومتعدد الأبعاد في الرواية، حيث تحمل معانٍ ومغزى يتجاوز وجودها المادي كمكان يضم الكتب فقط. تعكس المكتبة أفكارًا فلسفية وتجسد صراعات إنسانية، وترمز إلى العالم بأسره وما فيه من معرفة وفوضى. وتمثل المكتبة في الرواية رمزاً للمعرفة والبحث عن الحقيقة، وسعي الإنسان الدائم لفهم العالم ومعرفة الذات.
لربما يتحفظ البعض على الأسلوب الرمزي ويعتقدون أن الزمن تغير وكان يمكن تقديم النص بصورة مباشرة، لكن الرمزية كأحد الأساليب الأدبية تجعل القارئ جزءاً من العمل الأدبي، حيث يشارك في تفسير الرموز واكتشاف المعاني. الرمزية تدفع القارئ للتفكير العميق حول القضايا المطروحة وتمنح النص قوة البقاء والارتباط بزمن يتجاوز زمن كتابتها أو حدوثها.
Discussion about this post