في المملكة العربيّة السّعوديّة، يحمل شهر رمضان طابعًا خاصًّا يجمع بين الرّوحانيّة والاحتفاء بالعادات الاجتماعيّة. تبدأ التّحضيرات قبل حلول الشّهر الكريم بأسابيع، حيث تُنظّف البيوت، وتُجهّز المستلزمات الرّمضانيّة، وتُنظّم تجمّعات “الشّعبنة” الّتي تجمع العائلات والأصدقاء لتوديع شهر شعبان واستقبال رمضان بقلوب مفعمة بالإيمان.
مع أوّل ليلة من الشّهر، تعلو المآذن بالأذان، وتضاء المساجد بالفوانيس، ويستعدّ النّاس لصلاة التّراويح الّتي تُقام في جوٍّ مهيب يملؤه الخشوع. وعند موعد الإفطار، تجتمع العائلات حول المائدة الّتي تبدأ غالبًا بالتمر والماء، تليها أطباق سعوديّة تقليّدية مثل السّمبوسة، الهريس، والجريش، بينما يحظى مشروب “الفيمتو” بشعبيّة كبيرة.
إحدى العادات اللّافتة هي “مدفع الإفطار”، الّذي كان يُطلق في الماضي ليعلن وقت المغرب، ولا يزال تقليدًا محبوبًا رغم انتشار وسائل التّوقيت الحديثة. وبعد الإفطار، يخرج الكثيرون لإداء التّراويح أو زيارة الأقارب، فيما يتّجه الشّباب إلى المجالس الرّمضانيّة حيث تُروى الحكايات وتُتناقل التّجارب.
وفي العشر الأواخر، يزداد الإقبال على الاعتكاف في الحرمين الشّريفين والمساجد الكبرى، بحثًا عن ليلة القدر. كما يحرص النّاس على إخراج الزّكاة والصّدقات، وتوزيع وجبات الإفطار للصائمين في الطّرقات والمساجد، ممّا يعكس روح التّكافل الاجتماعيّ العميق.
رمضان في السّعودية ليس مجرّد شهر للعبادة، بل هو تجربة ثقافيّة وروحيّة متكاملة، حيث تندمج التّقاليد بالممارسات الدّينيّة في لوحة زاخرة بالدّفء والإيمان.
الكاتبة والصحفية بشرى دلهوم الجزائر البليدة
Discussion about this post