“في البادية”
ما زلت أذكر بعض الأحداث الغريبة، والذّكريات الممتعة الّتي قضيتها وأنا لم أتجاوز الرّابعة من عمري؛ رفقة أختي الّتي تكبرني بسنتين:
كنّا نلعب ونمرح بين الحقول النّضرة والبساتين الغنّاء، نشاهد الفلاحين يجمعون أكوام سنابل القمح المثقلة، ويدرسونها بواسطة الدّواب، وهم يصلون على النّبي، بعد هذه العملية؛ بدأوا في بناء تلة كبيرة من التّبن(النادر)، ولمّا تمّ إنهاء هذا العمل المضني، انصرف الجميع إلى خيامهم، وبقينا نحن الاثنين ننتظر حلول المساء، ركضنا ما طاب لنا حول تلّة التّبن، حتّى أخذ منّا التّعب مأخذه.
صعدنا فوق هذه التّلة قصد الاستراحة؛ وسرعان ما هبت علينا نسمة منعشة باردة، ألقت بنا إلى سنة هادئة من النّوم، لم نستفق منها إلا بعد مغرب الشّمس الدافئة.
أثناء استغراقنا في نومنا هذا كان والدينا مع ثلّة من الجيران، قد جابوا أنحاء القرية بحثا عنّا، ظنّا منهم أنّنا رحنا ضحية الذّئاب أو الثعالب المنتشرة في كل مكان. فكانت أمّنا تصرخ بأعلى صوتها وتنادي علينا باكيةً، وبعدما انقطع أثرنا عادوا إلى مساكنهم يائسين من العثور علينا..
نزلنا من على تلّة التّبن وقد اشتدّ جوعنا، وقفلنا نركض راجعين إلى خيمتنا. بدأ الظّلام يخيم علينا، فكنت لا أدري أين أضع رجلي، فجأة علقت قدمي بشيء آلمني بشدّة؛ إنّه المصيدة الّتي أعدها أبي لقنص الأرانب.
علا صياحي، ولم تستطع أختي فكها رغم محاولات عدة، فرحت أجر المصيدة حتّى اقتربنا من مسكننا، سمع والدي بكائي فهرع لنجدتي، وحمد الله على أنّها لم تكن لذغة أفعى سامة.
بينما كانت مجموعة من النّسوة يحطن بأمّنا المسكينة؛ يواسينها في مصابها الأليم…
عبدالله الحمري/المغرب
Discussion about this post