بقلم الكاتبةالصحفية … بشرى دلهوم
رمضان في ولاية المسيلة.. عبق التّقاليد وروحانيّة الشّهر الفضيل
رمضان في ولاية المسيلة ليس مجرد شهر صيام وعبادة، بل هو لوحة زاهية الألوان تمتزج فيها العادات العريقة بالأجواء الرّوحانيّة، حيث تعيش عاصمة الحضنة هذا الشهر الفضيل بنكهة خاصة تعكس عمق التّراث والتّقاليد الّتي توارثها أهلها عبر الأجيال.
رمضان.. عودة للألفة ولمّة العائلات
مع قدوم رمضان، تستعيد العائلات في المسيلة أجواء الألفة والحنين إلى الطّقوس الّتي تعوّدوا عليها منذ الصّغر. يبدأ النّهار بالتّوجّه إلى الأسواق لاقتناء مستلزمات الإفطار، حيث تعجَ الشّوارع بالمواطنين الّذين يتسابقون لشراء التّمر، الخضر، واللحوم، خاصة لحم الجمل والماعز، اللذين يعتبران جزءًا أصيلًا من مائدة المسيلة الرّمضانيّة. ورغم التّعب الّذي يرافق الصّيام، إلّا أنّ مظاهر الفرح تكسو الوجوه، خاصّة عندما تجتمع العائلات حول موائد الإفطار، حيث يصبح الطّعام أكثر لذّة بفضل دفء اللقاءات العائليّة.
إفطار الصّائم وكرم أهل المسيلة
لا يمرّ يوم من رمضان في المسيلة دون أن تجد عابريّ السّبيل والمسافرين مُرَحَّبًا بهم على موائد الإفطار، فكرم أهل المسيلة يتجلّى في هذه العادة الأصيلة، حيث يجلس بعض السّكان على جوانب الطَرقات مع صواني التّمر والماء لدعوة الصّائمين الّذين لم يتمكّنوا من الوصول إلى بيوتهم في الوقت المناسب. كما تحرص الأسر على دعوة الأقارب والجيران للإفطار، وهو تقليد متوارث يعزّز أواصر المحبّة والتآخي بين النّاس.
فرحة الأطفال بالصّيام الأول
يُعتبر صيام الطّفل لأوّل مرة حدثًا هامًا في الأسرة المسيلية، حيث يُحتفى به وسط طقوس خاصة، من أبرزها تقديم كأس ماء محلّى بالعسل وفيه خاتم ذهبي، يتناوله الطّفل عند الإفطار كرمز للخير والبركة، ثم يُهدى طبق الطّمينة تعبيرًا عن الفرح والفخر بهذه الخطوة المباركة. كما تُقدّم له الهدايا والتّشجيعات لجعله يشعر بأهمّية هذه التّجربة الرّوحانيّة.
ليالي رمضان.. ما بين العبادة والتّسلية
بعد صلاة التّراويح، تتحوّل شوارع المسيلة إلى فضاءات نابضة بالحياة، حيث يخرج الأهالي لقضاء سهراتهم في المقاهي والأسواق، ويتجمّع الشّباب لممارسة الألعاب التّقليديّة مثل “الدومينو” و”الكرة الحديديّة”، بينما يفضل البعض الجلوس في المقاهي لاحتساء الشّاي والاستمتاع بجلسات الإنشاد الدّيني الّتي تميزّ الولاية، خاصة وأنّ المسيلة تُعرف بأنّها موطن لكبار المنشدين الّذين أبدعوا في هذا الفنّ على المستوى الوطني والدّولي.
لحم الجمال والماعز.. نكهة رمضانيّة أصيلة
لا يمكن الحديث عن رمضان في المسيلة دون الإشارة إلى الإقبال الكبير على لحم الجمال والماعز، حيث يفضل السّكان هذا النوع من اللحوم نظرًا لقيمته الغذائيّة ومذاقه الفريد، فهو المكوّن الأساسي لأطباق الشّخشوخة، الطّواجن، وحتّى البوراك والدّولمة. كما أن أسواق اللحوم في المسيلة تشهد انتعاشًا ملحوظًا، إذ يتوافد عليها الزّبائن من مختلف الولايات بحثًا عن الجودة الّتي تشتهر بها المنطقة.
رمضان.. محطة ثقافيّة وروحانيّة
إلى جانب الطّقوس الاجتماعيّة، يزخر رمضان في المسيلة بالأنشطة الثّقافيّة والدَينيّة، حيث تُنظّم مسابقات حفظ القرآن الكريم، وتُقام النّدوات الفكريّة والمحاضرات الدّينيّة، إضافة إلى السّهرات الإنشاديّة الّتي تعطي للأجواء الرّمضانيّة بُعدًا روحانيًّا مميّزًا.
خاتمة
يبقى رمضان في المسيلة شهرًا يزخر بالقيم النّبيلة والتّقاليد العريقة، فهو شهر يجمع بين العبادة، الكرم، والتّلاحم الاجتماعي، ليجعل من هذه الولاية العريقة نموذجًا حيًَا لرمضان الجزائري الأصيل، حيث تتلاقى النَفحات الإيمانيَة مع عبق الترَاث في مشهد يملؤه الدّفء والسّكينة.
بقلم الكاتبةالصحفية … بشرى دلهوم الجزائر
Discussion about this post