البسطيلة من أطباق الملوك إلى موائد العائلة المغربية.
تُعتبر البسطيلة واحدة من أروع الأطباق التي تميز المطبخ المغربي الأصيل، وقد ارتبطت بشكل وثيق بالتقاليد المغربية وجعلت منها رمزاً للطعام الراقي والضيافة السخية، ولعل سر جمال هذه الأكلة يكمن في تناغم نكهاتها وتنوع مكوناتها، حيث تجمع بين الطعم الحلو والمالح في مزيج فريد، يشد الأنفاس ويثير الشهية، و في هذا المقال، سنتعرف عن كثب على أصل هذا الطبق الفاخر، مكوناته، طريقة تحضيره، المناسبات التي يقدم فيها، وطُقوس تقديمه، بالإضافة إلى كيفية ارتباطه بفن الطهي المغربي التقليدي.
نبدة حول جدور طبق البسطيلة في المغرب
تعود أصول طبق البسطيلة إلى فترة حكم المماليك في المغرب، وهي مستوحاة من تأثيرات الحضارة الأندلسية التي مزجت بين الثقافة العربية والإسبانية، ففي البداية، كانت البسطيلة مقتصرة على القصور الملكية كطبق فاخر يتم تقديمه في المناسبات الكبرى، مثل الأعراس والمواسم الدينية، بسبب صعوبة تحضيرها ومكوناتها الفاخرة، و كان الطبق في تلك الفترة يُحضر باستخدام اللحوم الفاخرة مثل الحمام، ثم تطور ليشمل الدجاج، وهو المكون الأكثر شيوعاً في الوقت الراهن، و كدا الأسماك البيضاء.
سرعان ما انتقلت البسطيلة من قصور الملوك إلى الموائد المغربية الشعبية، حيث أصبح تحضيرها جزءاً من الاحتفالات الخاصة والمناسبات العائلية المهمة، و على الرغم من تطور شكل الطبق عبر الزمن، فإن المكونات الأساسية والطريقة التقليدية لإعداده لم تتغير كثيراً، مما يجعلها أحد الأطباق المميزة التي تجسد أصالة المطبخ المغربي.
مكونات البسطيلة: تناغم النكهات بين الحلو والمالح
تعتبر مكونات البسطيلة من العناصر الأساسية التي تمنحها نكهتها الفريدة، ورغم تعدد الطرق التي يمكن من خلالها تحضير طبق البسطيلة سواء بواسطة الدجاج أو السمك الأبيض، فإن المكونات الأساسية تبقى ثابتة، و في هدا المثال نبدأ بطبق البسطيلة بالدجاج وتشمل:
الدجاج : لحم الدجاج هو المكون الرئيسي في معظم وصفات البسطيلة الحديثة، ويتميز بنكهته الشهية وسهولة تحضيره، يتم طهيه مع مجموعة من التوابل المغربية التقليدية خاصة منها الكركم، الزعفران، والزنجبيل.
اللوز: يعد اللوز من العناصر التي تضفي على البسطيلة طعماً مميزاً وقواماً هشاً رائعا، يتم تحميصه وطحنه ثم مزجه مع القليل من السكر لإضافة المذاق الحلو الذي يتناغم مع طعم الدجاج.
البيض: يُستخدم البيض في حشوة البسطيلة ليمنحها قواماً غنياً وملمساً ناعماً.
السكر والقرفة: لتوازن الطعم الحلو مع المالح، يتم إضافة القليل من السكر والقرفة في حشوة البسطيلة، مما يعطيها طعما حلوا منعشا.
ورق البسطيلة (أو ورق الفيلو): وهو ورق رقيق جداً يُستخدم لتغليف الحشوة وتشكيل الطبقات التي تمنح البسطيلة هشاشة ذهبية عند الخبز.
التوابل المغربية التقليدية: تعد التوابل جزءاً لا يتجزأ من أي طبق مغربي، و هي عديدة و متنوعة و أهم ما يتم تحضير البسطيلة منها هو الكركم، الزعفران الأصلي، الفلفل الأسود، والقرفة التي تضفي على الطبق طعماً لديدا و فائدة صحية كبيرة.
طريقة التحضير: خطوات دقيقة لإعداد البسطيلة المغربية المثالية
تعتبر البسطيلة من الأطباق التي يُحرص على تقديمها في المناسبات الخاصة والاحتفالات الكبرى في المغرب، و من أشهر هذه المناسبات:
الأعراس: أصبحت بعض الأسر المغربية تعتمد على تقديم طبق البسطيلة للضيوف في حفلات الزفاف، حيث يتم تحضيرها بشكل خاص لتكون طبقاً مميزاً على مائدة العرس.
المناسبات الدينية: هناك أيضا من الأسر التي تفضل تحضير البسطيلة في عيد الأضحى وعيد الفطر، لتكون جزءاً من الولائم الكبرى التي تجمع العائلة والأصدقاء.
الضيافة: في المناسبات الرسمية أو أثناء زيارة الضيوف، تُعتبر البسطيلة من أطباق الترحيب التي تعكس كرم الضيافة المغربية.
طقوس تقديم البسطيلة: أصول الضيافة المغربية في طبق واحد
تقديم البسطيلة في الثقافة المغربية يتبع طقوساً خاصة تعكس روح الضيافة المغربية وكرم أهل البلد، يُعد تقديم البسطيلة في وعاء كبير أو طبق مزخرف من تقاليد الضيافة، حيث يُقطّع الطبق أمام الضيوف وتُقدم لهم قطعاً متساوية.
عادةً ما يُرافق هذا الطبق كأس من الشاي المغربي بالنعناع، الذي يُعتبر مشروباً رئيسياً في كافة المناسبات، و في بعض الأحيان يرافقها أكواب من العصائر المتنوعة بألوان مختلفة زاهية تسحر العيون.
البسطيلة: طبق يروي حكاية المطبخ المغربي الأصيل
تعتبر البسطيلة تجسيداً حياً لفن الطهي المغربي الذي يتسم بالتنوع والثراء، فهي ليست مجرد طبق أو أكلة مميزة، بل هي جزء من الحضارة المغربية و الهوية الثقافية والتاريخية للمغرب، تعكس التقاليد القديمة والابتكارات الحديثة التي تتجدد مع الزمن، فكل قضمة من البسطيلة تحمل في طياتها قصصاً وحكايات عن ضيافة و كرم المغاربة.
Discussion about this post