أهم مشاكل اللغة والبناء اللغوي
بقلم الكاتب/ علاء المرقب
أذكر حادثة راسخة في ذاكرتي وأنا في الثانية عشرة من عمري، وقد كنا عائلة نجلس أمام جهاز التلفاز. وأنا بهذا العمر لم أكن راغباً بالبرامج التي يهتم بها الأهل، فتوجهي ينصب على برامج الرياضة، أو الرسوم المتحركة، ولكن رغم عدم انتباهي، سمعت والدتي ترفع صوتها نحو المذيع متذمرة:
– حرف الجر يجر الحمار.
بالطبع لم أفهم ما كانت تعنيه، لذا نظرت نحوها، ولأن نظرتي تحمل معها استغراب واستفهام، فهمَت مقصدي وفسّرت لي سبب انزعاجها، فالمذيع قام برفع اسمٍ مجرور بحرف جر، ولكوني بهذا العمر، رسخ في ذاكرتي الموقف، لكني لم أفهم سبب الانزعاج الكبير الذي أبدته والدتي.
مرَّ على هذه الحادثة أكثر من أربعين عاماً ورغم ذلك ما زلت أتذكر تلك العبارة كلما صادفت مثل هذا الخطأ النحوي وكثيراً من الأخطاء الإملائية الساذجة في بعض الكتب التي أقرأ، فأذكر أحياناً أن من واجب المؤلف تدقيق كتابه قبل النشر، أو يستعين بمدقق إن لم يكن متمكناً من ذلك، فرأيي أن الأديب ليس بالضرورة لغوياً، ولكن عليه الاهتمام بالنحو والإملاء فجمالية الأدب تحددها مقابيس وتلك من أهمها، وقد يظن (البعض) أن اللغة هي ذاتها البناء اللغوي للنص، وفي ذلك خطأ، فعلى الرغم من أهميتها، إلا أن هنالك الأهم، وهو بناء الجملة، والاهتمام بتناسقها اللفظي والعددي، وأستطيع أن أتحدث هنا موجزاً أهم نقاط بناء الجملة وصيانتها لتبدو بشكل رصين أنيق خالٍ من الزيادات والترهلات وحتى الترابط سواء داخلها أو مع ما قبلها وبعدها:
– تكرار الكلمة: أحد مشاكل الجملة هو تكرار الكلمة، أو الحرف مع قدرة الاستغناء عن ذلك, وقد سبق لي أن تحدثت عن ذلك في كتابي “كاتب وكتاب” ، حيث أن عديداً من كتاب السرد يقعون في هذا المنزلق، ومنهم من يكون لغوياً فذاً، إلا أنه يعاني من مسألة صف الكلمات لتعطي معنى من غير أن يكرر كلمات ذاتها دون استخدام مرادفاتها أو حتى الاستغناء عنها، مثل حروف الجر، والعطف التي تستخدم بوفرة في أماكن لا تحتاجها وبالإمكان تركها، واسم شخصٍ معلومٍ كبطل الرواية، أو مكان ما، وكمثال قولنا: وضعت الكتاب على الرف كون الرف مرتفع فالرف يبرز جمالية المكان لأن الرف مرتب. هنا ضعفت الجملة وفقدت جماليتها بسبب تكرار كلمة الرف التي بالإمكان ذكرها مرة واحدة ثم تعويضها بالضمائر، فنقول لأنه مرتفع، فيبرز جمالية المكان كونه مرتب. كذلك واو العطف مثلاً في قولنا أتمنى أن يكون البيت نظيفاً ومرتباً وكبيراً وفيه لوحات وداخله أثاث. هنا بالإمكان حذف الواو لتحل محله الفارزة.
– تكرار الجملة: لايتوقف التكرار عند الكلمة فقط، فالجملة أيضا قد تتم إعادتها بذات اللفظ، أو المعنى وفي كلتا الحالتين يعد ذلك تكراراً يؤثر على بناء النص الذي يحتاج إلى التشذيب ورفع المتشابه ليكون أرشق، بل في بعض الأحيان نحتاج إلى تشذيب المشذب.
– التنقيط والترقيم: كثير من الأدباء يكتبون النص دون علامات التنقيط، فتشترك الكلمات وتختلف المعاني، ويصبح الوصل سمة بين الجمل مختلفة المعنى، ولا يعد البدء بدءاً ولا الاستئناف استئنافاً، ولا النهاية نهاية، فتلك المشكلة تكاد أن تكون مشتركة في أغلب الكتب، بسبب التهاون أحياناً وعدم التمكن في أحيان أخر.
– الاسترسال: نجد في كتب كثيرة أن وصف مكان ما يأخذ من الكاتب جهداً كبيراً في إيصال الصورة، لكنه حريص على اختصار الكلمات، بينما نجد لدى اخر استرسالاً فضفاضاً يتعب القارئ، وهذا ما يحصل أيضاً في الأسلوب الحكائي الذي يخرج به الأديب عن شكلانية السرد، دخولاً في الأسلوب الخطابي، أو التعريفي، هذا ما يدفع القارئ للهاث خلف المعلومة التي قد توصله للملل.
– المصطلحات والشواهد: لابد أننا نلاحظ في كتابات بعض الأدباء لجوئهم إلى مصطلحات قد تبدو غريبة، أو أن لها رديفاً في اللغة العربية، لكنهم يصرون عليها، وربما يسبب ذلك حرجاً للقارئ غير المطلع على تلك الكلمات المعربة، والتي لايكون ملزماً على تتبعها طالما في لغته عوضها، وكذلك كثرة اللجوء إلى عبارة (كما قال فلان) وإذا بنا أمام كم من المقولات التي يحاول بها المؤلف رفع قيمة ما كتب – حسب ما يظن – بينما يبتعد عما يريد قوله من خلال طريقته أو فكره، فيكون ناقلاً أكثر من كونه مؤلفاً، إضافة إلى أن تلك العبارات توهن النص.
قد يكون ما سبق أهم المشاكل التي يعاني منها النص وبالخصوص السردي، فيما هنالك غيرها. تلك المشاكل التي تختلف بالطبع عن الأخطاء اللغوية التي بالإمكان إصلاحها من قبل مصحح لغوي، أما بلاغة النص فتحتاج ان يكون المؤلف متمكناً من بناء جملته وإلا سيكون كاتب فكرة يحتاج إلى من يقوم بصياغتها التي تجعل من النص شيئاً مقبولاً إذا ما تمت بشكلها اللغوي السليم.
خلاصة قولنا إن النص السليم لغوياً، لاتتم سلامته بلاغياً بسلامة لغته، بل أن يبنى فنياً بشكلٍ رشيقٍ جميلٍ خالٍ من الزيادات.
Discussion about this post