النّوافذُ عيونٌ محنَّطَةٌ على الجدرانِ ..
عيونٌ حزينةٌ بطبعها ..
ترقبُ دربَ التّحليقِ وتعكسُهُ
على زجاجٍ مكسورٍ
كي تطعنَ لعنةَ العتمةِ
تتمنّى لو أنّها من طينِ الأَرْضِ
كي تأوي إليها كلُّ المياسمِ المسافرةِ ..
تتمنًى لو أنّها بدونِ قضبانٍ أو زجاجٍ
كي لا تشبهَ السجونَ ..
كلما أوصدوها تئنُّ
فتأتي لمواساتِها العصافيرُ ..
والنّوافذُ عيونٌ تجمّدَتْ منذ نشأتها
وما زالت ترقبُ الشّوارعَ التي لا تجيءُ
بصدفةٍ من ندى الأحلامِ ..
عيونٌ ترقبُ الأرصفةَ المرتجفةَ
تحت أقدامِ الخائفينَ والمستوحدينَ ..
كلّما غامتْ حولَها السماءُ
فتحَتْ حضنَها لبكاءِ المطرِ ..
لطيرٍ مهيضِ الجناحِ ..
لثغاءِ خرافِ الرّعيانِ البعيدينَ ..
لزغبٍ يشدو أصداءَ الرّاحلينَ ..
والنّوافذُ قناديلُ ليلِ القابضينَ على عتمتهم ..
لهجُ الأغاني القديمةِ،
مسرحُ الكسيحِ المضيءُ ،
ومؤذّن النّورِ جيئةً وذهاباً ..
النّوافذُ بطاقةُ تعريفٍ تفرِّقُ
بين دفءِ البيوتِ وبردِ القبورِ ..
فلا تقفلوها ..
دعوها مفتوحةً لتكونَ ملجأً
لكلِّ لحنٍ شريدٍ ،
مفتوحةً لفراشةٍ أغوتْها نارٌ تحتَ إبريقِ شايٍ،
او لنحلةٍ أضاعتِ القفيرَ
لتُفرِغَ عسلَها فوقَ الأقداحِ القديمةِ ..
دعوها مفتوحةً
لليلٍ يمشطُ شَعْرَ الضّوءِ
وينامُ في ظِلِّ الجدرانِ المتداعيةِ ..
لشمسٍ تلملِمُ ضفائرَ اللّيلِ ..
لمراجيحِ الصّباحِ ..
لنسمةٍ تمسدُ النّدى
على وريقاتِ الحبقِ العتيقِ ..
لريحٍ تهزُّ حنينَ ستائرِ الدّانتيلِ الممزقةِ ..
للصُّوَرِ المعلقةِ على جدرانِ الذّاكرةِ ..
للبردِ كي تعودَ الذّاكرةُ للأحضانِ ..
لي أنا .. لنا كلُّنا
عندما نعودُ من منافينا
بطبعِنا وطِيْبَتِنا ..
كسربٍ أبيضَ يحقُّ له التحليقُ في المُطلَقِ ..
بذاكرةٍ من رمادٍ ودخانٍ
وأجنحةٍ حرةٍ من كلِّ قيدٍ …
ميرفت_أبو_حمزة …. لبنان
Discussion about this post